لكل روح مدخل يمكن من خلاله الاقتراب من مكنونها وما تخفيه من عوالم خاصة، قد لا تتشابه مع غيرها. ولاستكشاف هذه العوالم اختارت الفنانة الإماراتية عفراء علي الفن التشكيلي مدخلاً ترصد من خلاله ما تخفيه من أفكار وهموم وآلام وآمال. وقدمت حصيلة هذه الرحلة في معرضها الأول «بصريات الاقتراب من الروح» الذي نظمه اتحاد كُتّاب وأدباء الإمارات في أبوظبي، وافتتحه المستشار الثقافي بوزارة شؤون الرئاسة، زكي نسيبة، مساء الإثنين الماضي في مقر الاتحاد. ألوان ورؤية عن اختلاف الألوان في لوحاتها بطريقة واضحة، أكدت الفنانة الإماراتية عفراء علي، التي تعمل في قسم الإنتاج في TwoFour54، أنها لا تختار ألوان لوحاتها عندما تشرع في رسمها، ولكنها تستخدم اللون الذي يعبر عن الرؤية التي تتشكل لديها خلال الرسم، ويعكس الحالة التي بداخلها ليكون العمل في النهاية انعكاساً لما بداخلها بقدر اقترابه من بيئتها وواقعها الذي تعيشه. ولفتت إلى ميلها لاستخدام تقنية الرسم بالسكين بمصاحبة فرشاة كبيرة الحجم أو يدها في بعض الاحيان. ربما لذلك تشعر عفراء أن يدها هي «بطلة حياتها»، بحسب تعبيرها، فمن خلالها تعبر عن كل ما بداخلها ليس فقط من خلال الرسم، ولكن أيضاً من خلال العزف على البيانو والكتابة أحياناً. يذكر أن عفراء علي عازفة بيانو بدأت العزف منذ صغرها، وحازت جائزة تقديرية بعد عزفها في حفل مدرسي، ولم تكن قد لمست آلة موسيقية من قبل، وحصلت بعد ذلك على المركز الأول في مجال العزف على البيانو ضمن مسابقة إبداعية أسهمت فيها طالبات الجامعات والكليات الإماراتية في مختلف الفنون، منها الرسم والشعر والقصة والتصوير، كما أن لها مقطوعات موسيقية خفيفة من تأليفها. وقالت عفراء علي إن «يدي هي بطلة حياتي»، اذ ترسم بالسكين والفرشاة ويدها، كما انها تعزف على البيانو، وتمارس الكتابة أحياناً. وأضافت: «كل لوحة في معرضي تفتح المجال أمام المتلقي للتفاعل بطريقته الخاصة، وقد يقوده الاقتراب من اللوحة ومضمونها إلى الاقتراب من روحه وذاته، كما قادني الرسم إلى الاقتراب من روحي ومن الآخرين». في معرضها الذي ضم 17 لوحة، تحاول الفنانة أن تجسد علاقتها بالعالم المحيط بها، كطرفين يؤثر كل منهما في الآخر ويتأثر به، لكنها في الوقت نفسه لا تكتفي بالتجسيد البسيط المباشر لهذه العلاقة المتبادلة، فتلجأ إلى إضافة منظور آخر لكل منظور يحيط بها، لتعبر عن رؤيتها الخاصة لما ترصده، أو ما تسمعه من مشكلات الآخرين وهمومهم وحكاياتهم، وتصرح من خلاله عن دواخلها وأفكارها في خلط محبب بين العام والخاص. قماش الحلم اعتبرت الفنانة عفراء أن لوحاتها انعكاسات لصور من الواقع قد يراها البعض عادية لا تستحق التوقف أمامها، ولكنها تراها بطريقة مختلفة، وتجد أنها تلامس مواقف وأفكاراً مرتبطة بها أو بالآخرين، أحياناً سعيدة أو حزينة في أحيان أخرى. من اللوحات اللافتة في المعرض، لوحة جسدت فيها الفنانة راقصة بالية تقف منتصبة برشاقة وخفة، بينما شغل أعلى اللوحة ما يشبه انفجار لوني باللون الأسود. وفي لوحة أخرى غلب على خلفيتها اللون الزهري الفاتح، بينما قطعتها خطوط باللون الاسود يظنها المتلقي للوهلة الأولى تقاطعات عبور المشاة في شارع متسع، ولكنه يكتشف سريعاً أن هذه الخطوط السوداء ما هي إلا تكوينات بشرية تبدو كأنها تحاول التحرر من أسر ما تعانيه. الطريف أن الفنانة تشير إلى أنها رأت هذه اللوحة في منامها، وفور استيقاظها عمدت إلى تخطيط منامها على قماش لوحة لتضمها إلى معرضها. وفي لوحتها «تناقض» تجسد عفراء تكوينا يبدو متكاملاً ولكنه ينقسم من جزءين كل منهما يختلف عن الآخر، في إشارة للعلاقة بين الرجل والمرأة. اللافت في لوحات عفراء علي التي تستخدم في رسمها ألوان الإكريليك، نظراً لسهولته في الاستخدام، بحسب ما أشارت، انها لا تحمل خطاً واحداً يجمع بينها، سواء في الأسلوب أو الشكل العام أو حتى في الالوان، وهو ما أرجعته الفنانة إلى أنها قامت برسم هذه اللوحات على فترات زمنية متباعدة إلى حد ما، وبالتالي تأثرت كل لوحة بالحالة النفسية والمزاجية لها أثناء رسمها، كما أن اختلاف موضوعات اللوحات يسهم في اختلافها «فكما تجسد اللوحات البشر والحياة ومواقفها بكل ما يحمله البشر والحياة من اختلافات، كذلك هي اللوحات».