باريس ما هي قراءة كتاب افتتاحيات الصحف الفرنسية للعدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، وما هي خلفيات اعتراف فرنسا بالتحالف السوري المعارض كممثل شرعي ووحيد للشعب السوري، وما هي تحديات أوباما الاقتصادية الجديدة؟ ثلاثة أسئلة تجيب عليها الصحافة الفرنسية. العدوان على غزة صحيفة لوموند نشرت افتتاحية بعنوان: "السيناريو المأساوي في غزة" قالت في مستهلها إن سابقات التاريخ تخبرنا بأن العمليات العسكرية التي تشنها الحكومة الإسرائيلية في فترات الحملات الانتخابية تعود دائماً بنتائج عكسية عليها وتؤدي إلى فوز المعارضة. ولا يحتاج المرء إلى ذاكرة قوية جداً حتى يتذكر أن حالات التصعيد والعدوان الإسرائيلية غالباً ما تتزامن مع مواسم استحقاقات انتخابية، وفي الذهن هنا على سبيل المثال لا الحصر عدوان "عناقيد الغضب" على لبنان في 1996 وكذلك عدوان "الرصاص المصبوب" في 2008- 2009 على غزة. والسؤال الآن في ضوء هذه السوابق هو: إلى أين سيمضي عدوان الحملة الانتخابية الحالية الذي أطلقه نتنياهو ضد غزة يوم 14 نوفمبر الجاري، وذلك باغتياله للقائد العسكري لحركة "حماس" أحمد الجعبري؟ وهو الهجوم الذي ردت عليه الحركة ليدخل الطرفان المواجهة الراهنة التي سقط فيها حتى الآن قتلى إسرائيليون أيضاً. ولكن، مع خطورة هذا التصعيد هل ما زالت في المتناول فرصة عقد هدنة؟ ما زال الوقت مبكراً للغاية لترجيح احتمال من هذا القبيل، تقول الصحيفة، وهو ما يعني أن السيناريو المأساوي يتقدم المشهد الآن. وفي العادة ليس هنالك شك في عدم التكافؤ في القوة بين جيش الاحتلال، وهو الأعتى في المنطقة وبين مقاومي غزة، ومعنى هذا أن هنالك دواعي كثيرة للقلق بشأن احتمال تنامي عدد ضحايا العدوان من الفلسطينيين، وهذا يستلزم مضاعفة الجهود لإيجاد نهاية قريبة لهذه المواجهات. ولكن حتى مع فارق القوة فإن ما تسميه إسرائيل انتصارات يتكشف غالباً عن نتائج مؤقتة لا أكثر، بل إن كل مرة تهاجم فيها إسرائيل "حماس" فإنما تقدم لها خدمة سياسية: حيث إن فوز الحركة الإسلامية في انتخابات 2006 إنما كانت في المقام الأول بسبب استهداف إسرائيل لقياداتها. والحال أن التصعيد الراهن لم يفاجئ سوى من لا يملكون القدرة على الإبصار، أو بعض القادة الذين يتعامون عن رؤية تعقيدات الحال القائمة في الشرق الأوسط، كما هي حال فرانسوا أولاند خلال استقباله لنتنياهو يوم 31 أكتوبر الماضي، حين لم يتردد في الظروف الراهنة في المطالبة بإعادة إحياء عملية التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين! هذا في حين أن الحقيقة المعلنة هي أنه لم يعد موجوداً من الأساس أي أثر لعملية السلام والتفاوض بشأن هذه الأرض المتنازع عليها، تقول الصحيفة، لأن القضية الفلسطينية أحيلت إلى خانة التجاهل والتجميد. وزاد الأمر تعقيداً اختفاء الجيل الأول من القادة المؤسسين للحركة الوطنية الفلسطينية، المقتنعين باقتسام أراضي فلسطين التاريخية، معطوفاً على تغول حركة الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، وكل هذا يجعل حل الدولتين المأمول هو الموضوع في مرمى الخطر الآن. لا أكثر ولا أقل. وفي سياق متصل ذهب الكاتب "فينسان جيريه" في افتتاحية لصحيفة ليبراسيون إلى أن المتطرفين على كلا الجانبين يتحملون المسؤولية الآن عن التصعيد الخطير الراهن، فنتنياهو واليمين المتطرف المتحالف معه أشعلا هذه المواجهة لأغراض انتخابية رديئة، و"حماس" دفعت إلى تصعيدها من جانبها هي أيضاً للتشويش على مساعي السلطة الفلسطينية للحصول على وضع جديد في الأممالمتحدة، وهو طلب سيبحث بعد أسبوعين من الآن. وأكثر من ذلك تسعى "حماس" أيضاً لاستغلال الضغط الشعبي القوي على النظام المصري الجديد لدفعه إلى قطع العلاقة مع إسرائيل. ومن هنا يعتبر الكاتب أن الحكومة اليمينية الإسرائيلية وحركة "حماس" تتحملان المسؤولية اليوم عن هذا التصعيد الذي يجري في ظرف إقليمي بالغ التعقيد، حيث ترتمي سوريا في أحضان العنف والفوَضى، ويعاني لبنان من عدم الاستقرار، ولا تزال مصر تسعى لاستعادة الاستقرار هي أيضاً، والمنطقة لا ينقصها من الفوضى والصراعات المزيد. سوريا: رهان فرنسي في صحيفة لوفيغارو قال الكاتب بيير روسلين: "بعد ليبيا، انخرطت فرنسا بشكل متنامٍ، أكثر من أي بلد غربي آخر، في دعم الثوار في سوريا. وقد أبدى فرانسوا أولاند نوعاً من الاستمرارية الدبلوماسية متخذاً باسم بلادنا رهاناً جديداً: هو الاعتراف رسمياً، وقبل الآخرين، بالإدارة الجديدة لقوى المعارضة لنظام بشار ، ويمكن أن يصل الأمر إلى حد توفير أسلحة لهذه المعارضة". ويكمن الرهان الأساسي للجهد السياسي الفرنسي، بحسب الكاتب، في ضرورة دعم التحالف الجديد للمعارضة السورية، على نحو فعال يساعد الشعب السوري في التخلص من نظام الأسد، ويوجد بديلاً سياسياً لا يتعارض مع قيم فرنسا، من قبيل ظهور دور مؤثر لأية جماعات سلفية وإسلامية أخرى متشددة، مستغلة ظروف الحرب الأهلية وحالات الاحتقان والاختناق القصوى الراهنة بسبب تفاقم تداعيات الأزمة السورية. ولاشك أن هذا الرهان الفرنسي جدير بكل ما يمكن أن يبذل من جهود لإنجاحه، مساعدة للشعب السوري، وسعياً لإنهاء معاناته جراء هذه الأزمة العاصفة. ولضمان تحقيق الغايات السياسية المرجوة من مبادرات وجهود الحكومة الفرنسية في هذا المجال يتعين أن تتلوها مبادرات مماثلة من أطراف دولية أخرى، وخاصة منها تلك المهتمة أكثر بإنهاء الأزمة السورية. ولاشك أن أفضل الممكن الآن هو أن تقبل روسيا التعاون والتعامل بإيجابية مع القادة الجدد للمعارضة السورية، لكي تنزاح أخيراً عن صدور السوريين حالة الشلل التي فرضت على تحركات الأممالمتحدة، وخاصة منها الجهود الرامية إلى إيجاد نوع من الحماية للمدنيين السوريين الذين يتعرضون للمجازر على أيدي ميليشيات نظام الأسد المدججة بالسلاح والطيران. وحتى إن بدا تحقيق هذا الهدف الطموح بعيد المنال في هذه المرحلة من الزمن فإن في وسع فرنسا العمل بشكل حثيث للتوصل إليه، وفي المجمل فإن في يد الدبلوماسية الفرنسية الآن ورقة تستطيع أن تحقق من ورائها الكثير. مشروع أوباما 2 صحيفة لوموند نشرت تحليلاً سياسياً لسيلفان سيبل تحت عنوان "أوباما الثاني: أي مشروع اقتصادي؟"، ذهب فيه إلى أن الرئيس الأميركي يواجه الآن بعد إعادة انتخابه مشكلات مالية واقتصادية ستفرض عليه إظهار قدر استثنائي من القدرة على المبادرة والتوافق مع خصومه الجمهوريين، لكي يضمن نجاح خططه الرامية إلى مواجهة تحدي الدين العام، والتوزيع القطاعي للضرائب بين الشرائح الأكثر دخلاً وبقية الأميركيين. ومن جهتهم يفترض أن يكون الجمهوريون قد تعلموا درساً من خسارتهم في الانتخابات الرئاسية بسبب ما علق في أذهان قطاعات واسعة من الناخبين الأميركيين عن كون الحزب قد افتعل شللاً تشريعياً عرقل به كثيراً من تحركات أوباما في مواجهة تداعيات الأزمة المالية خلال السنوات الأربع الماضية. ولأن سيد البيت الأبيض قد تجاوز الآن قلق إعادة الانتخاب لولاية ثانية فقد بات الهاجس الذي يستبطنه في سياساته هو التركة التي سيخلفها وراءه، وما سيقوله التاريخ عنه، وهذا ما يجعله حريصاً على العمل لاستكمال مشروعه الإصلاحي الاقتصادي الذي مكنه خلال فترة الولاية الأولى من تطويق جموح تداعيات الأزمة المالية على الاقتصاد الأميركي، وفي الوقت نفسه الوفاء بوعود بالغة الصعوبة ومكلفة من قبيل مشروع إصلاح نظام الرعاية الصحية. ولذا يتوقع أن يزيد أوباما من حجم الضرائب على الأغنياء وإلزام الشركات بالوفاء بواجباتها الضريبية على نحو أكثر فعالية. ولكن معظم الدراسات تذهب إلى أن الاقتصاد الأميركي سيدخل مرحلة ركود جديدة إن لم يتمكن البيت الأبيض من التوصل إلى توافق أو مقايضة تسمح بتمرير تدابير قاسية من شأنها خفض معدلات الدَّين الأميركي العام. ومع هذا، يقول الكاتب، فإن أوباما سيبدأ فترة ولايته الرئاسية الثانية وهو في ظروف أفضل بكثير من تلك التي تسلم فيها السلطة مع بداية فترة ولايته الأولى، حين كانت تداعيات الأزمة المالية في ذروتها تقريباً، وخاصة أن الأميركيين وقتها كانوا تحت هول البزوغ المفاجئ للصين، والارتفاع القياسي في أسعار البترول. هذا في حين أن ثقتهم اليوم في الاقتصاد، ومخاوفهم من أزمة طاقة جديدة تلاشت، إلى حد بعيد، بعد الاكتشافات الهائلة من البترول والغاز في الأعماق، وهو ما يجعلهم في وضع مؤهل لانطلاقة اقتصادية جديدة. إعداد: حسن ولد المختار