مع تقدم الإنسان عمرا وفكرا واجتيازه السنين والتجارب يزداد معرفة لكن النفس البشرية بتعدد ضروبها، واختلاف أنماطها وتباين سلوكها. سيلاقي الكثير من الشخصيات التي تمتاز بثبات المبدأ، ورسوخ العلاقة الوطيدة المتأصلة بالحب والاحترام والتفاهم، وسيتعامل مع الشخصيات البراغماتية المتلونة حسب ما تمليه المنفعة الذاتية. أحيانا يتعالم عليك من كنت في الأمس القريب تعلمه تهجئة المعرفة فيرتدي بزة المعلم ولم يحسن حتى إتقان هندامها. وأحيانا تصطدم بمن يسايرك في أمر تطرحه أنت بكل جدية فيظهر لك الاهتمام والقبول والتشجيع وإذا ما غادرته خاطب من حوله: «ماذا كان يقول هذا للتو؟!». والأدهى من ذلك ان يواجهك من تحبه (يفترض) انه يبادلك نفس المحبة، لكنك ترى بعض تصرفاته التي هي أقرب للعداوة منها للحب. تحسن الظن به فيزداد إساءة بطريق مباشر أو ملتو. تضطر حفاظا للمحبة بينكم وصونا للعمر الذي جمعك به أن تصارحه بخطأ فعله. فتجده يراوغ ما بين استغباء لك او اتهام بأنك (حساس) فوق اللزوم أو لا يرى في صنيعه أي مكروه. وأحيانا تفاجأ بمن يصغي اليك مهتما وبيني معك جهدا لتراه بعد فترة قد سوّر المبنى من ضمن أملاكه، وأقصاك وكأنك لم تكن معه تشيد صرح هذا الانجاز. صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما». لقد فطن الحكماء والعارفون لتقلب النفس البشرية لهذا الطبع جيدا، فأبدعوا ارشادات وتوجيهات تيقنا بعد حفظ الله من الوقوع في مثل هذه الخيبات أو الاصطدام بمثل هذه العقبات. فلا تجعل قلبك مفتوحا يخط فيه كل مار ما يحلو له، ولا تنغلق على نفسك فيهجرك الكل، بل كن وسطا، ولا بأس في أن تتخذ في علاقاتك شيئا من الحيطة دون إساءة ظن، وعليك إذا ابتليت بمن قلب لك ظهر المجن ان تستعيذ بالله من شر كل ذي شر، ومن الحور بعد الكور، وعامله بالحسنى وحاول ان تصلح ما يجهد في اتلافه من علاقة بينكما، وإذا ما استفحل الداء وعز الدواء فاهجره بإحسان وإياك ان تشابهه في الإساءة بعد تركه وانأ بنفسك عما يقلل من قيمتها لديك. وثق بأن للناس وجوها كوجه القمر ولهم مد وجزر كما للبحر فكن على دراية بالسباحة وعمق البصيرة. وإذا جاءك من يحسب ان الناس قد صفت معادنهم وطابت مشاربهم، فاهمس له هونا بأن الناس ما داموا في هذه الدنيا فهي تنقلب بهم وتنقلهم من حال الى حال، وقل له كما قالت العرب: عش رجبا ترى عجبا! المستشار الأسري أحمد بن محمد الطليحان المملكة العربية السعودية [email protected] tulaihan@ 966544440144+