بقلم: علي سالمين العوبثاني في قراءة مختزلة لكتاب الباحث الأديب سامي محمد بن شيخان الموسوم ب ( الهاجس والحليلة في الشعر الشعبي ) الذي ركز في جزء كبير منه (على استخدام لفظي "الهاجس والحليلة " بل صار عرفاً لدى معظم الشعراء الشعبيين في حضرموت وتقليداًً يستهلون به قصائدهم ومساجلاتهم الشعرية) وإنني من منطلق التركيز على جانب مهم تطرق إليه الكاتب في كتابه ، فقد أنصب اهتمامي على ما أفرده في الصفحة (138) وما تلاها للحديث عن موقف الإسلام من الشعر باعتباره من الموضوعات الأكثر إثارة لنقاط الاختلاف من خلال نقل البعض قناعاته بان الشعر ( حرام ) ، فقد ذكر الباحث سامي شيخان بأنه أستطاع أن يستدل على الكثير من المراجع التي جاءت في أقوال الرسول العظيم (صلى الله عليه وسلم ) : ( إن الشعر لحكمة ولا تدع العرب الشعر حتى تدع الإبل الحنين " وقال أيضاً ( علموا أولادكم لامية العرب ) ويعني بذلك لامية الشنفري . وقد تطرق الكاتب الباحث إلى أن العلماء المعاصرين الذين ناقشوا هذه المسألة بأسهاب الشيخ أحمد الكبيسي وهو عالم معاصر مشهور حيث قال في أحدى المقابلات التلفزيونية معه ( لكي تستطيع أن تفهم القرآن وتفسيره ، يجب أن تكون شاعراً ، فلقد كان الشعراوي شاعراً ) . ويقول الكاتب أيضاً بأن من أقوى الأقوال وضوحاً هو ما أورده سيد قطب ( إن الإسلام لا يحارب الشعر لذاته كما يفهم من ظاهر الألفاظ التي وردت في الآيات ، أنما يحارب المنهج الذي سار عليه الشعر وهو منهج الأهواء والانفعالات التي لا ضابط لها ، ومنهج الأحلام الموهومة التي تشغل أصحابها عن تحقيقها ) ويضيف الكاتب استمرارا لقول سيد قطب الذي يحذر من مغبة خلق عوالم وهمية وتحول واقع الحياة إلى تشويه قبيح متخلف .. ويؤكد ( سيد قطب ) بان الشعر إذا اختط طريقا قوامه التأثير الإسلامي فذاك شعراً يعمل على تحقيق هذه المشاعر النبيلة وفق (منهج ثابت يهدف إلى غاية إسلامية ،عند ذلك فالإسلام لايكره الشعر ولا يحاربه كما قد يفهم من ظاهر الألفاظ 075) ) [1] وهنا تكمن أهمية الكتاب كونه أعتمد على مصادر عدة توضح الخلاصة التي توصل إليها الباحث سامي محمد بن شيخان في فهم الإسلام للشعر .. وهناك العديد من تلك التفسيرات التي توضح ما أراد الكاتب شرحه من خلال استشهاده بأقوال كثيرة .. ومما قاله عثمان جمعة ( الرؤيا متعددة ومتنوعة فهي كالكشف منها ماهو روحاني ، ومنها ماهو نفساني ، ومنها ما هو شيطاني : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الرؤيا ثلاثة : رؤيا من الله ورؤيا تخزين من الشيطان ، ورؤيا مما يحدث الرجل نفسه في اليقظة فيراها في المنام ) [2] وكذلك اعتراف الدكتور الكيس كاريل بوجود مثل هذه الظواهر- التي ذكرها الكاتب في كتابه – " اليوم نحن نعرف من ظواهر انتقال الأفكار والتخاطب التي لا تقبل النقض ، ولاشك إن طبيعتها ورؤية الماضي والتنبؤ بالمستقبل لا تزال غير معروفة " ويضيف قائلاً " ونعلم إنه لا يجوز لنا بحال ما أن ننكر ظاهرة لمجرد إنها غير قابلة للتفسير أو عسيرة على الملاحظة " [3] وقديماً قيل " أعذب الشعر أكذبه " كذب ليس بالمعنى الواقعي ، وإنما خيال غير خاضع للمنطق والواقع الحسي ، فللشعراء واقعهم وهو واقع نفسي بخلاف العلم الذي يخضع للمنطق وتقدير الأمور بمقادير علمية . القول في تأويل قوله تعالى : ( والشعراء يتبعهم الغاوون ( 224 ) ألم تر أنهم في كل واد يهيمون ( 225 ) وأنهم يقولون ما لا يفعلون ( 226 ) . لهذا فإن الشعر يعتمد على الرؤية الشعرية التي تسبق الزمن وتسجل الأحداث وتوردها وهي في أحشاء الغيب وتنفذ في طيات المستقبل لاستشفاف ما سيعرض على شاشته من لقطات لأحداث الحياة التي تغير من تراكم وكثافة الظلام الماثل أمام عيني الشاعر . . مع إيماننا المطلق بأن الغيب والعلم به من أمر الله سبحانه وتعالى وهو أمر لاجدال فيه . [1] ) في ظلال القرآن لسيد قطب صفحة 2622 [2] ) عالم الغيب والشهادة في التصور الإسلامي (عثمان جمعه ) ضميرية ص 57 [3] ) تأملات في سلوك الإنسان (الكسيس كاريل ) ص 162