توفي يوم الثلاثاء 16 أبريل الجاري في مدينة جنيف السويسرية الرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة الجزائرية علي كافي عن عمر ناهز 85 عاماً، وهو ثالث رئيس للجمهورية الجزائرية يموت خلال هذا العام، إذ سبقه على هذا الدرب كل من الرئيس الأول للجزائر بعد الاستقلال، أحمد بن بللا، والرئيس الثالث الشاذلي بن جديد. ولد علي كافي في عام 1928 في بلدة الحروش التابعة لمدينة قسنطينةالجزائرية حيث أكمل دراساته وحاز إجازة من "دار المعلمين"، قبل أن ينتقل إلى جامعة الزيتونة في تونس لاستكمال دراسته عام 1950.وانضم إلى "جيش التحرير الوطني" في بداية عام 1955 وتدرّج حتى صار عقيداً. شارك علي كافي في مؤتمر الصومام ضمن وفد الولاية الثانية، وفي خريف عام 1956 عين قائداً عسكرياً لها، وفي ربيع 1957 عين على رأس نفس الولاية. وكان المؤتمر التأسيسي لجبهة التحرير الوطني الجزائرية الذي عقد على طرف واد الصمام في منطقة القبائل ما بين 20-22أغسطس1956 في ظروف قاسية، قد بلور برنامجاً سياسياً واضح المعالم حول طبيعة الثورة الديمقراطية وقضية بناء الاشتراكية. وكل ما يوجد في الخطوط السياسية العامة التي أقرها المؤتمر، هو انتظام البرنامج السياسي حول فكرتين أساسيتين: استقلال الأمة، ووحدة الشعب، دون تمييز بين الطبقات، وأن الثورة الجزائرية تناضل من أجل بعث دولة جزائرية على شكل جمهورية اشتراكية وديمقراطية، وليست إعادة لنظام ملكي أو ديني عفا عليهما الزمن. إن ما تميز به هذا المؤتمر التأسيسي هو وضعه اللبنات الأولى لمؤسسات الثورة الجزائرية، وبخاصة منها (المجلس الوطني للثورة الجزائرية) الذي يضم 34 عضواً، 17 أصيلين و17 احتياطيين، وقيادة من خمسة أعضاء، هي لجنة التنسيق والتنفيذ، التي تمثل السلطة التنفيذية، وتملك "سلطة الإشراف على كل أجهزة الثورة". ويعكس تأليف المجلس الوطني للثورة الجزائرية بكيفية خاصة توازن القوى السياسية المختلفة داخل جبهة التحرير الوطني، وطابعها المفتوح، من حيث إنها ضمت سبعة عشر من الأعضاء السابقين في "اللجنة الثورية للوحدة والعمل"، وخمسة من "المركزيين" واثنين من "الاندماجيين" وفردين معروفين بروابطهما مع العلماء. ومع ذلك فإن الانقسام بين زعماء الداخل والخارج يتضح في أنه من بين أكبر سبع عشرة شخصية، كان ثمانية من الخارج وسبعة من الداخل. وفي مايو1959 شارك علي كافي في اجتماع العقداء العشرة الذي عقد بتونس، حيث أعاد العقداء العشرة تنظيم الهيئات القيادية للثورة (الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية والمجلس الوطني للثورة الجزائرية)، وأصبح عضواً في المكتب الوطني للثورة الجزائرية، ليعين ممثلاً لجبهة التحرير الوطني في سبتمبر 1961 بالقاهرة والجامعة العربية. وفي عهد تلك الحكومة تولى رئاسة بعثة بلاده إلى مصر بين عام 1961 وعام 1962. وغداة الاستقلال، عيّن سفيراً في لبنان في العام 1963، قبل أن يمثل بلاده في سوريا في عام 1965، ومن ثم في ليبيا في عام 1970، وأخيراً في تونس في العام 1976.يقول علي كافي عن تلك الحقبة، عندما كنت سفيراً في الكثير من عواصم أقطار الوطن العربي، بدءاً من القاهرة، مروراً ببيروت، ودمشق،وطرابلس، وانتهاء بتونس، ربطتني بالسياسيين والمثقفين والكتاب العرب صلات صداقة وود حميمين، وكنت أحدثهم كثيراً عن نضال الشعب الجزائري وكفاحه وجهاده منذ الثلاثينيات من القرن الماضي ولغاية اليوم، وأقدم لهم تجربتي في ذلك، وكان حديثي يلقى استحساناً لديهم، ويدفعهم إلى مطالبتي بكتابة مذكراتي، وأمام إلحاحهم علي بالكتابة، وجدتني أقضي الأيام والليالي في محاولة استرجاع المشاهد والوقائع التي عشتها، لتسجيلها وكتبتها. في كتابه الوحيد المعنون: مذكرات الرئيس علي كافي من المناضل السياسي إلى القائد العسكري 1946-1962، يقول علي كافي: وأنا إذ أقدم على تسجيل هذه المذكرات فإنني أحاول جهد المستطاع تسليط الضوء على مسيرة نضالية، ذات امتدادات داخل وخارج الثورة، وأرى أنه من واجبي التعرض لها. وأدرك أنه من الصعب أن أستحضر جميع الوقائع والأحداث التي كنت طرفاً فيها، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. فضلت عدم ذكر الكثير من الأسماء التي لعبت أدوارا مختلفة في الثورة، كما تجنبت التفاصيل حتى لا أضيع فيها. ويقيني أن هذه الشهادة الحية عن الثورة، يعود الفضل في تسجيل بعضها إلى المرحوم عيسى مسعودي (مؤسس صوت الجزائر الذي كان يبث من تونس، وقال عنه بومدين: تحرير الجزائر نصفه لجيش التحرير والنصف الأخر لعيسى مسعودي)، ومحمد مرزوق (مجاهد، مدير وكالة الأنباء ووزير الإعلام والثقافة)، لكن الفضل في ظهورها بهذه الصيغة يعود إلى الصحافيين: سعد بوعقبة وعبد العالي رزاقي.. ولاشك أن هذه المذكرات ستكون لها قيمة تاريخية لأنها رصدت الثورة من داخلها، ووضعت لأول مرة، وثائق ومعلومات، عن تنظيم محكم لولاية تاريخية استطاعت أن تضحي بقادتها،و تترك بصمات في تاريخ الثورة الجزائرية وتدفع بها نحو الانتصار النهائي. انتقد الرئيس الأسبق أحمد بن بلة في حديث إعلامي في عام 2002، وقال "حان الوقت بعد حوالي نصف قرن أن نعوّد النفوس على سماع وتقبل الجوانب السلبية في مسيرة الثورة"، مضيفاً "لقد كانت الثورة الجزائرية ثورة مسلحة عنيفة، قام بها بشر غير معصومين ولم تكن تخلو لذلك من محطات مؤلمة ومريرة".