«تركيا» بلد ليست كسائر البلدان، ورغم أنِّي لم أزر سوى مدينة إسطنبول، إلا أن بعض الملامح التي شاهدتها في هذه المدينة تدل على وجود حِرَاك عام في هذه الدولة الإسلامية الكبرى؛ نحو تطوّر علمي مدروس وشامل لكل شبر في هذه الدولة، وقد لا يحتاج هذا الكلام إلى دليل غير منظور، فكل من عرف تركيا قبل سنوات وزارها اليوم يُدرك مدى التغيّر الإيجابي الذي رسّخ أقدامه في كل شبر منها، وأذكر عِندما زرت مدينة إسطنبول قبل أكثر من عشرين عامًا، كيف كانت نسبة التلوث في أجوائها نتيجة استخدام الديزل في المركبات، وكيف هي اليوم رغم ازدياد المركبات كمًا ونوعًا لتقليص استخدام الديزل والتوجه نحو البنزين، والأهم من ذلك الاهتمام الشديد بالتشجير وتوسيع المساحات الخضراء والإكثار من الزهور، واستزراع الغابات، ومعروف الآثار الإيجابية الكبيرة لهذه العملية في تنظيف وتنقية الجو العام. وبرغم كثرة الجماليات والصور الإيجابية التي تلتقطها عيون زوار إسطنبول وفي كل الاتجاهات، إلا أن الملاحظ كثرة انتشار المجمعات التجارية والإدارية الحديثة وضخامتها مع ضيق الشوارع والطرق التي تُشبه مجموعة كبيرة من الحبال التفّت على بعضها، فلم يُعرف أوّلها من آخرها، وليس الزائر الغريب فقط هو من يتيه فيها، بل حتى بعض أبناء تركيا يضيعون فيها، وعلى الأقل تضيع عليهم أوقات عديدة للوصول إلى مبتغاهم، ولعل من الأشياء المتعبة للزوار الأجانب عدم معرفة معظم الأتراك اللغات الحية الأخرى التي يتكلّمها السياح وبخاصة العربية، باعتبار أن السياح العرب هم أقرب الناس إلى الأتراك دينًا وتاريخًا، رغم تفشِّي اللغة الإنجليزية بين مُقدِّمي الخدمات السياحية إلى حدٍّ ما. ومن المهم جدًا التأكيد على مدى اهتمام الأتراك حكومة وشعبًا بتاريخهم العريق الإسلامي وما قبله، فمعظم الآثار البيزنطية تكاد لا تختفي عن أنظار المتجول في أنحاء إسطنبول «القلاع والحصون والأسوار»، ورغم أن بعض الأجزاء مُتهدِّم نتيجة الحروب وعوامل التعرية، إلا أن عمليات الترميم والمحافظة عليها واضحة للعيان، وهذا دليل على احترام التاريخ، ولو كان يعود إلى الأعداء، كما أن حديقة «مينيا تركيا» هي دليل على مدى الحرص على تعريف كل الأجيال بتاريخ بلادهم وآثارها، وهي حديقة واسعة الأرجاء تتناثر فيها مجسّمات جميلة ودقيقة الصنع لكل الآثار الموجودة في أنحاء تركيا، وهي مزار جميل حتى لأبناء الترك، خاصة طلاب المدارس، لأن أي شعب يجهل تاريخه لن يكون له حاضر مجيد ولا مستقبل مشرق، فالتاريخ ليس مجرد بقايا المباني ولا الأواني أو الملابس العتيقة، بل هو مجموعة المعاني والقيم والخبرات والمكتسبات الحضارية التي كان التراب ميدانها والإنسان بانيها، وبالنسبة للإنسان المسلم فتاريخه الناصع يمتد عبر العصور ليصل إلى آدم عليه السلام، ثم السلسلة المباركة من الأنبياء، وفي مقدمتهم نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام وأصحابه الأبرار ومن تبعهم بإحسان؛ الذين جاهدوا لتكون كلمة الله هي العليا، وفتحوا بلاد الله لينشروا الخير في كل زوايا الأرض، لذلك فالاهتمام بتاريخ الأمة هو فخر لمن يهتم به، لأنه يُؤكِّد صلته بكل من وضع لبنة خير في كيان تاريخ أمة الإسلام المجيدة. [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (66) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain