جاء قرار الفنان إيهاب توفيق، نقل معيشته وحياته مع زوجته وأطفاله، بشكل شبه دائم إلى دولة قطر بمثابة تعبير واضح عن الحالة التي تمر بها صناعة الغناء المصري في الوقت الحالي، خاصة مع تراجع عدد الحفلات خلال العام الماضي والأشهر الأولى من العام الحالي بنسبة 65% مقارنة بالخمس سنوات التي سبقت ثورة 25 يناير ،2011 ولم يكن إيهاب توفيق الوحيد الراغب في الاستقرار بإحدى الدول الخليجية، حيث يعيش عمرو دياب معظم وقته متنقلاً بين دبي وبيروت، أما تامر حسني فيعيش في أمريكا، لفترات طويلة ويأتي إلى مصر حسب ظروف عمله، وهو يعتمد الآن على تعاقده مع إحدى الشركات العالمية لإنتاج الكاسيت وحفلاته للجاليات العربية في أوروبا وأمريكا كما يسافر للخارج بانتظام المطرب هشام عباس والمطربة شيرين عبد الوهاب التي تمتلك ميزة خاصة، وهي زيادة الطلب عليها في الحفلات الخارجية وبالتالي فتواجدها خارج مصر لفترات طويلة يعد أمراً منطقياً وفي هذا التحقيق نستعرض أحوال المغنين . . المطرب الشعبي حكيم استفاد من تركيزه في السنوات الأخيرة على الجاليات العربية بالخارج، لذلك فهو يعتمد حالياً على السفر لأوروبا وأمريكا من أجل إحياء عدد من الحفلات الغنائية هناك، كما أنه يواجه صعوبة بسبب تزايد عدد المطربين الذين يقدمون اللون الشعبي بشكل مبالغ فيه، وتدنت الأجور في الحفلات والأفراح بالنسبة للمطربين الشعبيين لأقصى درجة، حتى إن أجور سعد الصغير وشعبان عبد الرحيم وعبد الباسط حمودة وهدى وغيرهم تراجعت للنصف، وهم يدركون جيداً أن الطلب عليهم خارج مصر قليل للغاية لأن اللون الغنائي الذي يقدمونه لا يصلح لكل المستمعين . ورغم تأكيدات كثير من نجوم الغناء المصري أن سفرهم للخارج لفترات طويلة ما هو إلا حالة مؤقتة حتى تتحسن الظروف السياسية والاقتصادية في مصر، إلا أن المقربين منهم يدركون خطورة الوضع الذي يعيشون فيه، فمن لا يجد فرصة في التمثيل أو تقديم برنامج تلفزيوني سيضطر إلى تقديم تنازلات في رقم الأجر الذي سيتقاضاه في الحفلات، وكذلك في البرامج التلفزيونية التي يظهر فيها . أزمة نجوم الغناء المصري في بلدهم ألقت بظلالها أيضاً على نجوم الغناء العربي الذين كانوا يحرصون على التواجد في فنادق القاهرة الكبرى وإحياء حفلات للسياح العرب، حيث توقفت رحلات عدد منهم إلى القاهرة فاختفى محمد عبده وطلال سلامة وعبد المجيد عبد الله ورابح صقر ونبيل شعيل وحسين الجسمي وغيرهم عن المشهد الغنائي المصري . المطربة شيرين عبد الوهاب أكدت أن رحيلها عن مصر أمر لا يمكن حدوثه، فهي تعشق تراب وطنها وعندما غنت "ماشربتش من نيلها" كانت تشعر بكل كلمة تقولها، كما أن الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد تستدعي أن يتكاتف نجوم الغناء ويدعمون وطنهم بشتى الطرق فهذا هو الدور الحقيقي للفنان . المطرب محمد فؤاد موافق على كلام شيرين عبد الوهاب وقال إنه مستعد لتقديم حفلات بالمجان لدعم السياحة المصرية واستقرار البلد، وإذا كانت الظروف الحالية صعبة فهذا الوضع ينطبق على الجميع وليس على الفنان فقط، ولا يمكن تصور هروب أي فنان من المشهد الحالي لمجرد أنه تأثر مادياً، "فالإحباط يجب أن يغادرنا ونساند الفن المصري" . وطالب فؤاد من يهاجم الفنانين بتدقيق الأخبار التي تنشر حولهم، وليس معنى أن مطرباً سافر لإحياء حفل غنائي بالخارج أو تصوير كليب، أن نصفه بالهارب ونهول من الموضوع، فهذه البلبلة ليست في مصلحة مصر التي تحتاج لجذب المستثمرين بشتى الطرق . الموسيقار حلمي بكر يرى أن تدهور الأوضاع في مصر يؤثر في كل مجالات الحياة ومنها الغناء الذي يعيش حالة صعبة في ظل تراجع إنتاج الكاسيت وقلة الحفلات الغنائية، خاصة أن الظروف الأمنية تؤثر دائماً فيها، بمعنى أن شعور الناس بالأمان يجعلهم مقبلين على دور العرض السينمائي وحفلات الأوبرا وغيرها . ويطالب بكر كل نجوم الغناء المصري بالتكاتف من أجل عبور هذه المحنة، ويضيف: من يفكر في مغادرة مصر، لا يستحق أن يكون نجماً، وعليه أن يكون معنا في المحن ويساند جمهوره الذي دعمه حتى أصبح مشهوراً وله اسم في الوطن العربي، أما من يعتبر الغناء مجرد "سبوبة" ويبحث عن مصلحته الخاصة فعليه أن يرحل لأنه لا يستحق أن يعيش بيننا . المطربة المغربية جنات التي استقرت في مصر منذ ما يقرب من سبع سنوات تفكر جدياً في السفر إلى دولة الإمارات والاستقرار بها، خاصة أنها تعتمد بشكل أساسي على الحفلات الغنائية كمصدر لدخلها بعد أن أصبحت مبيعات الكاسيت لا تحقق ربحاً للمطربين أو الشركات المنتجة، في ظل القرصنة الغنائية وتسريب الألبومات عبر شبكة الإنترنت، وهي تؤكد أنها كانت تنوي أن تستقر نهائياً في مصر لكن الأمر يحتاج إلى تفكير الآن . المطربة مي كساب تؤكد صعوبة الوضع الغنائي الحالي في مصر وهذا يظهر بوضوح في تراجع عدد الحفلات وأيضاً الأفراح، وبالتالي فإن معظم الفرق الموسيقية لا تجد عملاً وتتجه لتغيير نشاطها حتى تتغلب على الظروف القاسية التي تعيشها . وترى مي أن الوضع الحالي سيستمر لفترة إذا لم تستقر الأمور وتتصالح كل القوى السياسية وتعمل من أجل مصلحة الوطن وليس من أجل مصالحها الخاصة، كما أن دعم الفن أمر لا بد منه حتى تظل مصر دائماً في الريادة وتمتع الجمهور العربي بأعمال راقية . بينما ترى الفنانة ميس حمدان أن الدعم الذي وجده كل فنان عربي من مصر يستحق منه أن يرد هذا الجميل بأي طريقة حتى تتحسن الأوضاع التي لا تعتبر قاسية لكنها مرحلة وقتية وستنتهي قريباً، لأن الشخصية المصرية دائماً ما تتحدى كل الظروف الصعبة والدليل على ذلك ما تحقق لمنتخب مصر للشباب الذي فاز بكأس إفريقيا وتأهل لكأس العالم رغم كل الصعوبات التي وجدها في الآونة الأخيرة، وبالتالي فإن الفن المصري لن يموت والغناء تحديداً سيبقى قوياً وسيواجه كل التحديات وعن نفسها لن تترك القاهرة أيا كانت الظروف .