لم ينشف بعد حبر فضائح دومينيك شتراوس - كان حتى هلت فضيحة مالية جديدة متهمة فيها كريستين لاغارد، وكأن رئاسة صندوق النقد الدولي مصابة بلعنة الفضائح التي تلاحقها. بيروت: صندوق النقد الدولي ملاذ تقصده الدول التي تعاني مشكلات وأزمات إقتصادية، تقترض منه، وترضخ لشروطه. فهو سلطة دولية، ثرية، وموثوقة. لكن منصب الرئاسة فيه مصابة بلعنة الفضائح. فمن في العالم لم يسمع بفضائح دومينيك شتراوس - كان، مدير الصندوق السابق، و كان آخرها اعتداءه على عاملة تنظيف الغرف في أحد فنادق نيويورك؟ احتلت فضائح شتراوس - كان حيزًا واسعًا في الإعلام الفرنسي، لأكثر من عام كامل، حتى ظهر برنامج تلفزيوني تبثه القناة الفرنسية الأولى لشرح قضيته للفرنسيين، وليقر بأن ما فعله لا يليق بمنصبه ولا بإنسانيته، وليعتذر من زوجته وأبنائه وأصدقائه وعموم الفرنسيين، قائلًا: "ما فعلته في حياتي كان خطأ أخلاقياً لا أفتخر به". تهمة اختلاس ذهب شتراوس - كان، وحلت محله كريستين لاغارد، التي شغلت منصب وزير الاقتصاد في عهد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، بين العامين 2007 و 2011، أي تركت وزارة الاقتصاد لتتربع على عرش صندوق النقد مباشرة. اليوم، لاغارد نفسها مطلوبة للمثول أمام القضاء الفرنسي في نهاية أيار (مايو) القادم، ليستمع القضاة إلى إجاباتها عن أسئلتهم حول اختيارها اللجوء إلى تحكيم خاص لتسوية خلاف قديم بين رجل الأعمال الفرنسي برنارد تابي، الموالي بشدة لساركوزي، وبين مصرف كريدي ليونيه، حول شراء ماركة أديداس. وهذا التحكيم الخاص حكم في تموز (يوليو) 2008 على كريدي ليونيه، بعد إفلاسه شبه التام في نهاية التسعينيات، بأن يدفع لتابي 285 مليون يورو كتعويضات، أي 400 مليون يورو مع الفوائد، ما يضعها اليوم في مهب اتهامها بالمشاركة في اختلاس أموال عامة. غير أن صندوق النقد الدولي أكد استمراره في منح لاغارد ثقته، حتى يثبت ما يدحض هذه الثقة. فرصة للدفاع تدلي لاغارد بإفادتها أمام لجنة التحقيق في محكمة عدل الجمهورية، وتضم حقوقيين وبرلمانيين، وهي الوحيدة المكلفة محاكمة الوزراء على مخالفات ارتكبت خلال ممارستهم مهامهم. ومحكمة عدل الجمهورية كانت رأت في اللجوء إلى التحكيم الخاص أمرًا قابلًا للطعن فيه، خصوصًا بعدما حامت الشبهات حول لاغارد بشأن مساهمتها شخصيًا في وقائع التحكيم، من خلال إعطاء تعليمات تصويت لممثلي الدولة في مجلس إدارة الهيئة التي كانت تراقب الطرف الوصي على تفليسة مصرف كريدي ليونيه. وصرح أيف ريبيكيه، المحامي الذي يتولى الدفاع عن لاغارد، قائلًا: "ستكون أمام لاغارد فرصة ذهبية لتوضح تفاصيل ما جرى في العام 2008 للجنة، كي تُعفى من كل مسؤولية جنائية". لم تطعن به أما لاغارد، فكانت بررت قرارها اللجوء إلى التحكيم الخاص حينها برغبتها في تسريع إنهاء الاجراءات المتعلقة بهذه المسألة، التي تطول عادة، نافية أي تورط لساركوزي في هذه القضية على الاطلاق. وقالت: "كان ذلك الحل المفضل حينها". إلا أن هذه التبريرات لم تقنع جان لوي نادال، النائب العام في محكمة التمييز بباريس، فأحال القضية برمتها إلى محكمة عدل الجمهورية، من دون أن يستثني لاغارد من لائحته الاتهامية، إذ لامها على اللجوء إلى تحكيم خاص في شأن يتعلق بأملاك عامة. كما اتهمها بعلمها المسبق بشأن انحياز بعض القضاة المحكمين، وبإضافتها الضرر المعنوي على مذكرة التفاهم الأساسية، ما سمح لتابي بالحصول على 45 مليون يورو إضافية، وبامتناعها عن الطعن في هذا التحكيم، على الرغم من أن كثيرًا من الخبراء حثها على ذلك. مداهمات وتفتيش ولهذا التحقيق جانب آخر، غير وزاري، إذ يتزامن مع تحقيق قضائي فتح في أيلول (سبتمبر) 2012 بتهمة استغلال مجحف لسلطات اجتماعية، وإخفاء الجرم عن سلطة محكمة عدل الجمهورية، مستهدفًا جان فرنسوا روكشي، رئيس المحكمة الذي نفذ التحكيم موضوع التحقيق الأولي. وفي هذا الاطار، فتشت الشرطة الفرنسية منزل ومكتب كلود جيان، أمين عام الرئاسة الفرنسية في عهد ساركوزي، ومنازل برنارد تابي، وستيفان ريشار مدير مكتب لاغارد في فترة التحكيم، والحكام الثلاثة الذين حددوا مبلغ التعويض. كما داهمت الشرطة الفرنسية منزل لاغارد في باريس بنهاية آذار (مارس)، وفتشت محتوياته.