إن الدين الحنيف قام على المحبة والتواصل وانتشر بالعدل والتسامح، فأمر أبناءه بإفشاء السلام والمصافحة والمعانقة عند تلاقي الأخوة،لتبقى أسباب الود بين القلوب معقودة الأواصر ولتزداد صلابة الأخوة بين المؤمنين متانة وقوة وبذلك يستطيع المجتمع المسلم أن يعيش إسلامه وينهض بتكاليف رسالته في الحياة،ثم إن طلاقة الوجه تؤدي إلى سرور صاحبك لأن الفرق كبير جدا بين شخص يلقاك بوجه عبس وشخص يلقاك بوجه منطلق، لهذا فإن المؤمن لا يحقر من المعروف شيئا ولو أن يلقى أخاه بوجه طلق، فكلمة التسامح عذبة في اللسان ورقيقة في المنطوق ذات رنين جميل في السماعِ، لكنها ثقيلة على النفس يقبلها العقل كلمة مجردة لكنه يجد كلفة ومشقة في تطبيقها في الواقع، فكثير من البشر رفضِ التخلق بها وفضل الغلظة والحدة والغضب والكبرياء بديلا عنها، وفي الأمثال يقال المسامح كريم وإن هذا الكرم يصدر من نفس زكية واسعة لا تضيق من أغلاط الناس، ولا تتكدر من سقطات النفوس ولا تهيج لاستفزازاتهم، إنه كريم لأن الكرم هو بذل العطاء في وقت الشدة، والشدة هنا حين يغلظ الناس في قولهم المهين ونقدهم المشين، فيقابله بعطاء التسامحِ والعفو، وهنا يعلو بمكانته فوقهم ويسمو بخلقه مرتبة عالية يحسده الناس عليها، فالتسامح هو الطريق إلى الله والحب والسعادة وهو الجسر الذي يتيح لنا مفارقة الذنب واللوم والخزي وإنه يعلمنا ان الحب أساس السعادة فما أجمل العيش بين أناس تحبهم ويحبونك وتودهم ويودونك،فيطيب الهواء ويطهر القلب والروح ويجعلنا على صلة بكل شيء مقدس فمن خلال التسامح يكون البشر مرتبطين بما هو أكبر من أنفسهم ومما هو وراء تصورهم وفهمهم الكامل وإنه ليدعونا إلى ان نستشعر الأمن والاستقرار النفسي. التسامح هو أن ننسى الماضي الأليم بكامل ارادتنا، إنه القرار بألا نعاني أكثر من ذلك وأن نعالج قلوبنا وأرواحنا، إنه الاختيار ألا نجد مكانا للكره أو الغضب، وانه التخلي عن الرغبة في إيذاء الآخرين بسبب شيء قد حدث في الماضي، إنه الرغبة في أن نفتح أعيننا على مزايا الآخرين بدلا من عيوبهم،ولا شك أن مبدأ التسامح عظيم لأننا كلنا أهل خطأ ونحتاج كثيرا إلى من يصفح عنا ويحلم علينا ليصنع لنا بذلك معروفا ندين له به أبدا، فكلنا نخطئ ونذنب وكلنا يحتاج إلى مغفرة والتسامح هو الممحاة التي تزيل آثار الماضي المؤلم، فأن تعفو أقرب للتقوى، فأفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك، فالمجتمع الإيماني لا تقوم المعاملة بين أفراده على المؤاخذة والمحاسبة وإنما تقوم فيه المعاملة بين الأفراد على المسامحة والتغاضي والصفح والصبر وهذا ما دعت إليه نصوص الإسلام وحض عليه هديه العالي القويم، فالإنسان التقي المستجيب لهدي دينه عفو غفور والعفو خلق إنساني عال أشادت به النصوص القرآنية إشادة بالغة وجعلت المتخلقين به من أرقى النماذج التقية في الإسلام إذ أدخلهم في زمرة المحسنين الذين فازوا بمحبة الله ورضوانه يقول تعالى:(والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)آل عمران: 134،ذلك بأنهم كظموا غيظهم ولم يحقدوا ولم يضغنوا،بل تحرروا من وقر الضغينة والحقد، وانطلقوا في آفاق العفو والمغفرة والصفح والتسامح، ففازوا بصفاء النفس وغبطتها ونقائها وراحتها وبما أكبر من ذلك فازوا بمحبة الله ورضوانه. التسامح كلمة جميلة باتفاق اللغات والأعراق والأمم كلها إنه يعني الصفح عمن أخطأ عليك أو تجاوز حده، أو اختلف معك اختلافا غير أخلاقي فمفهومه بهذا الاعتبار قيمة أخلاقية عظمى، وهو انتصار لروح الخير والأخلاق في النفس الإنسانية على روح الشر من الاستجابة لنزغات الشيطان، هو أساس التعامل الذي يفترض أن يحكم علاقة الناس بعضهم ببعض، أما الإصرار على رفضه فهو إصرار على إلحاق الأذى بالنفس قبل الآخرين،وهو إصرار على المعاناة الشخصية في مواجهة قلب مظلم، فإن العفو والصفح والمسامحة مرتقى عال لا يستطيع بلوغه إلا الذين انفتحت مغاليق قلوبهم لهدي الإسلام، وانفعلت نفوسهم بأخلاقه السمحة فآثروا ما عن عند الله من مغفرة وثواب وتكريم على ما هجست به النفوس من حب الانتصار والانتقام والانتصاف، ولقد سلك القرآن الكريم أبرع أسلوب في دفع النفس الإنسانية إلى ذلك المرتقى إذ بين لنا عبر آياته البينات، ان الذي أصابه البغي له أن ينتصر لنفسه ويرد عنها البغي والعدوان، ذلك أن جزاء السيئة سيئة مثلها،ولكنه لم يدع الإنسان الذي أصابه الحيف والبغي من أخيه لعاطفة التشفي والانتصار والانتقام، بل أخذ بيده برفق إلى مرتقى الصبر والغفران والتسامح فمن عفا وأصلح فأجره على الله.