تذهب الليالي والأيام سراعاً، والعام يطوي شهوره تباعاً، وسنة الله في كونه قدوم وفوات، والله أكرم عباده فشرع لهم مواسم في الدهر تغفر فيه الذنوب والخطايا، ويتزود فيها من الأعمال الصالحات، وفي العام شهر هو خير الشهور، بعث الله فيه رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأنزل فيه كتابه، يرتقبه المسلمون في كل حول وفي نفوسهم له بهجة، يؤدون فيه ركنًا من أركان الإسلام يفعل خالصاً، ويتلذذ فيه المسلم جائعاً، يحقق العبد فيه معنى الإخلاص لينطلق به إلى سائر العبادات بعيداً عن الرياء، ثواب صومه لا حد له من المضاعفة. وشهر رمضان شهر التسامح والغفران والمسلم في هذا الشهر يتحلى بالأخلاق الكريمة ويعامل الناس معاملة حسنة، وإذا أخطأ المسلم في حق أخيه ندم على ذلك وسارع بالاعتذار إليه. فعلى المسلم أن يستغل شهر رمضان وما تبقى منه من أيام معدودات ويعمل على تدريب نفسه على هذه الأخلاق. قال تعالى: (من عفا و أصلح فأجره على الله). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه) [رواه البخاري]. لذلك الصيام ينقي القلب من كل الشوائب وعلى المسلم أن يلتزم بالأخلاق الطيبة والسلوك القويم في رمضان. وله تأثير إيجابي على سلوك الصائم وأخلاقه، فهو يهذب الأخلاق، ويزكي الأنفس، ويرقق المشاعر، ويدعو إلى الحلم، والصفح والعفو والصبر على الأذى. وهناك حديث يقول: سئل الإمام الرضا عليه السلام "ما مدى التواضع الذي إذا فعله العبد كان متواضعاً" فقال: التواضع درجات منها أن يعرف المرء قدر نفسه فينزلها منزلتها بقلب سليم لا يجب أن يأتي إلى أحد إلا بمثل ما يؤتى إليه أن رأى سيئة درءها بالحسنة, كاظم الغيظ عاف عن الناس و الله يحب المحسنين.. فعلى المسلم أن يتخذ التسامح و العفو شعاراً له في شهر رمضان. فالعفو والتسامح أعلى مراتب الأخلاق في الدين وعلينا أن نقتدي برسولنا الكريم الذي كان يتصف بالأخلاق الكريمة ومنها العفو والتسامح. ففي وصية له صلى الله عليه وسلم لعلي عليه السلام: :"يا علي ثلاث من مكارم الدنيا والآخرة أن تعفوا عمن ظلمك وتقبل العفو وتسامح من قطعك و تحلم عمن جهل عليك". فالأيام تمضي متسارعة، والأعمار تنقضي بانقضاء الأنفاس، وكل مخلوق سيفنى، وكل قادم مغادر، وهذا شهر الرحمة والغفران والتسامح يوشك أن يقول وداعاً ولعلك لا تلقاه بعد عامك هذا فعليك مراجعة نفسك والتفكير فيما قصرت بواجبك تجاه أهلك وجيرانك وأصدقاءك وعليك العفو والصفح عن من ظلمك وأخطأ بحقك وطهر قلبك من أي ضغينة تحملها على أخوك المسلم وتذكر قوله صلى الله عليه وسلم (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا و يعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام).