تنتشر في سجون تونس موجة إضراب عن الطعام، في ورقة بات السلفيون يستعملونها كورقة ضغط على السلطات لاطلاق سراحهم او تسريع محاكمتهم، وقد أثار موت المسجونين بشير القلي ومحمد البختي المخاوف لدى القضاة وحالة تعاطف من الشعب في الوقت نفسه. تونس: انتشرت في سجون تونس "موجة" من الاضرابات عن الطعام في صفوف معتقلين سلفيين يطالبون السلطات بالافراج عنهم أو بتسريع محاكمتهم نجم عنها الاسبوع الماضي وفاة كل من بشير القلي (23 عاما) ومحمد البختي (28 عاما) بعد اضراب عن الطعام داخل السجن استمر حوالي شهرين. وكانت الشرطة اعتقلت الشابين للاشتباه في مشاركتهما في هجوم استهدف في ال14 من أيلول (سبتمبر) 2012 مقر السفارة الاميركية في تونس خلال احتجاجات على فيلم مسيء للاسلام انتج في الولاياتالمتحدة. وهذه أول مرة في تاريخ تونس يموت فيها معتقلون جراء إضراب عن الطعام، بحسب منظمات حقوقية. وسببت وفاة القلي والبختي حرجا كبيرا للسلطات التونسية وأثارت تعاطف حقوقيين ومعارضين دأبوا على التنديد بعنف السلفيين، وعلى اتهام حركة النهضة الاسلامية الحاكمة بالتراخي في تطبيق القانون بحقهم. وأعلن الرئيس التونسي منصف المرزوقي انه "يتحمل وأجهزة الدولة المسؤولية الكاملة" عن وفاة الشابين ووعد بتشكيل "لجنة مستقلة (..) تضع قواعد تعامل تحفظ كرامة وحياة المضرب (عن الطعام في السجن) وحقوقه المشروعة". وأعلنت وزارات حقوق الانسان والصحة والعدل الثلاثاء "بعث لجنة مختصة تضم أطباء وقضاة ومختصين في الاخلاقيات الطبية مهمتها وضع منهج تطبيقي لمتابعة حالات اضراب الجوع بالسجون والتعهد بها بهدف معالجة هذه المسالة وتفادي مضاعفاتها وتعقيداتها" بحسب وكالة الانباء التونسية. وبعد وفاة بشير القلي ومحمد البختي دخل العشرات من السلفيين في اضرابات مفتوحة عن الطعام داخل سجون تونسية للمطالبة بالافراج عنهم أو بتسريع محاكمتهم. وقدر المحامي عبد الباسط ين مبارك عدد المعتقلين المضربين عن الطعام بحوالي 200 وقال لفرانس برس ان الوضعية الصحية لكثير منهم خطرة. وسمحت وزارة العدل التي تشرف على السجون في تونس لمحامين ومنظمات حقوقية بزيارة السجون لمعاينة المعتقلين المضربين عن الطعام ومحاولة اقناعهم بفك "اضرابات الجوع" حفاظا على حياتهم. وأقر مسؤول بإدارة السجون التونسية أن "موجة اضرابات الجوع" التي تشهدها عدة سجون في تونس "غير مسبوقة" في تاريخ البلاد، وعبّر عن قلقه من وفاة مزيد من المضربين عن الطعام سيما وأن حالة بعضهم خطيرة. ولفت المسؤول الى أن معتقلين مضربين عن الطعام منعوا الأطباء من فحصهم وهددوا بايذاء انفسهم ان أصرت ادارة السجن على انقاذهم. وأضاف أن هؤلاء "متمسكون ببراءتهم من اي تهمة" وأنهم ربطوا وقف اضراب الطعام بالافراج عنهم او بتسريع محاكمتهم. وفي عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي كان أعوان السجون يجبرون وبالقوة المساجين المضربين عن الطعام على الاكل والشراب، بحسب حقوقيين. وقال وزير الصحة التونسي عبد اللطيف المكي الثلاثاء ان "اعلان مالطا للجمعية الطبية العالمية حول المضربين عن الطعام يؤكد على ضرورة اعتبار رأي المضرب عن الطعام حتى ولو كان في حالة غيبوبة وعلى احترام رغبته في رفض الاطعام الاجباري". ودفع المحامي عبد الباسط بن مبارك ببراءة المضربين عن الطعام وقال لفرانس برس انه لا توجد أي قرائن على تورطهم في اعمال عنف. وأضاف أن هؤلاء يطالبون بتعجيل عرض ملفاتهم على القضاء للبت فيها. وكشفت وزارة العدل ولأول مرة الجمعة الماضي ان القضاء التونسي يلاحق 450 سلفيا في 59 قضية بينها قضية مهاجمة السفارة الاميركية. وأوضحت الوزارة أن 178 من هؤلاء بحالة ايقاف و149 بحالة سراح و123 بحالة فرار. ويلاحق سلفيون للاشتباه في تورطهم في مواجهات مسلحة جرت مطلع شباط (فبراير) 2012 قرب بلدة "بئر علي بن خليفة" بولاية صفاقس (وسط شرق) بين الجيش والأمن التونسيين ومجموعة مرتبطة بتنظيم القاعدة، وفي اعمال عنف وتخريب قادها سلفيون يومي 1 و12 حزيران (يونيو) 2012 بثمانية ولايات احتجاجا على معرض للفن التشكيلي قالوا انه تضمن لوحات مسيئة للاسلام ، وفي مهاجمة السفارة الامريكية. وأفرجت السلطات الثلاثاء عن 15 سلفيا من المعتقلين المضربين عن الطعام بعد تعكر حالتهم الصحية بحسب المحامي عبد الباسط بن مبارك. وعبر قضاة تونسيون عن خشيتهم من تحول اضرابات الجوع داخل السجون الى وسيلة للضغط على القضاء والتأثير على مسار العدالة. وقال الشاب السلفي أنور العروسي الذي اعتقل للاشتباه في مشاركته في مهاجمة السفارة الامريكية ثم أطلق سراحه بعد تعكر حالته الصحية جراء اضراب عن الطعام داخل السجن، إن محمد البختي هو الذي اقترح على المعتقلين السلفيين الدخول في اضراب عن الطعام "علهم يجدون آذانا صاغية". وحكم على محمد بختي أواخر 2007 بالسجن 12 سنة نافذة بموجب قانون "مكافحة الارهاب" في ما بات يعرف في تونس بقضية "مجموعة سليمان" قبل أن يتم الافراج عنه بداية 2011 ضمن "عفو عام" أقرته السلطات إثر الاطاحة بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وفي بداية 2007، جرت مواجهات دامية في مدينة سليمان (30 كلم جنوب العاصمة) بين قوات الامن ومجموعة سلفية أسفرت عن مقتل ضابط بالجيش التونسي وشرطيين اثنين و12 سلفيا، بحسب مصادر رسمية. وأفاد مصدر بوزارة العدل ان معتقلين في قضايا "حق عام" ينتظرون إحالتهم على المحاكم، "استغلوا الظرف" بعد وفاة بشير القلي ومحمد البختي ، ودخلوا في إضرابات عن الطعام من أجل "ابتزاز" السلطات والمطالبة بالافراج عنهم. واكد زهير مخلوف المسؤول في مكتب منظمة العفو الدولية بتونس ان 14 من سجناء "الحق العام" دخلوا في إضراب عن الطعام وخاطوا أفواههم للمطالبة بتسريع عرض ملفاتهم على القضاء أو تمتيعهم بعفو رئاسي. في الاثناء شدد الرئيس المرزوقي الجمعة انه "لا مجال لان يبتز أيا كان الدولة عبر إضراب جوع متواصل للافلات من المحاسبة (..) ولا مجال مطلقا لترك مثل هذا الباب (اضراب الجوع) مفتوحا لأي كان ومهما كانت الظروف والمبررات، لان الامر يعني الدخول في مسلسل خطير قد يؤدي إلى انهيار مفهوم العدالة ومصداقية المحاكم ومن ثمة مصداقية الدولة ككل". في الاثناء اعتبر راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الاسلامية في تصريح صحافي ان "من اقدم على الاضراب عن الطعام حتى هلك فهو آثم لا شك، اما من اضرب فقط لمجرد أن يلفت نظر الناس الى مظلمة وقعت عليه فيجوز له ذلك".