هدير الضمير تكريم الشاعر برهان الدين العبوشي !! ياسين السعدي وأخيراً، وبعد جهد متواصل، تم تحقيق فكرة راودتني منذ أكثر من عشر سنوات مضت؛ ألا وهي تكريم الشاعر برهان الدين العبوشي بإطلاق اسمه على مدرسة من مدارس مدينة جنين؛ تكريما له وتخليداً لذكره، وتقديراً لدوره النضالي في الدفاع عن قضايا أمته بالسنان واللسان، حيث واكب القضية منذ إرهاصات الثورة الفلسطينية الكبرى سنة 1936م، ووصولاً إلى عام النكبة سنة 1948م، حيث شارك مشاركة فاعلة في كثير من النشاطات النضالية، وفي الذود عن جنين عندما اجتاحتها القوات اليهودية المؤلفة من تنظيمات صهيونية عديدة، واحتلتها في الأول من حزيران سنة 1948م لمدة يوم واحد، وتم تحريرها في الثالث من حزيران على يد الجيش العراقي الباسل، ومساندة الأهالي الذين دب فيهم الحماس عندما وصلت طلائع الجيش، فتوافدوا من القرى المجاورة لاسترداد المدينة وتحريرها. قاتل برهان الدين العبوشي في معركة جنين سنة 1948م، وجرح خلالها في كتفه، كما أكد لي رفاقه الذين كانوا يشاركونه في المعركة قبل دخول القوات اليهودية، حيث كتبت مقالاً عن الشاعر المرحوم بعد وفاته بتاريخ 1221995م، وبعد إعلان نعيه في الجريدة، ونشرت المقال في جريدة القدس بتاريخ 23/2/1995م؛ صفحة 14، تحت عنوان: شاعر من بلدي. كان من ضمن رفاقه المقربين الذين التقيت بهم وحاورتهم، الشاعر المرحوم خالد فريز النصرة، والأستاذ محمد أبو دياك، وآخرون غيرهما، بالإضافة إلى الاستعانة بشقيقته، المرحومة خيرية العبوشي، التي أجريت معها لقاءً مطولاً في حينه، استقيت منه معلومات كثيرة، وكان بمثابة تقرير كاملٍ عن مراحل حياته، ونشاطه السياسي والنضالي منذ نعومة أظفاره حتى هجرته إلى العراق بمرافقة الجيش العراقي عندما تقررت أعادته إلى العراق سنة 1949م في أعقاب ما أطلق عليه اتفاقيات الهدنة. الشاعر المظلوم وقد أطلق أحد الباحثين المنصفين هذا اللقب على الشاعر برهان الدين؛ لأنه لم ينل حظه من الاهتمام به، كما نال غيره من الشعراء الفلسطينيين المعاصرين له، بالرغم من مكانته الأدبية المرموقة، وبالرغم من أنه يعتبر رائداً فلسطينياً في باب الشعر المسرحي، الذي يرى هو نفسه أنه من أول الشعراء الفلسطينيين الذين طرقوا هذا الباب، إن لم يكن أولهم. كان برهان الدين العبوشي، مثل كثير من الشعراء والأدباء الفلسطينيين، قد ظلموا من قبل النقاد وأهل الأدب بعدم الالتفات إليهم بشكل وافٍ؛ بالرغم من حضورهم الأدبي الذي لا يمكن إنكاره، وإنما هي لمحات كانت ترد هنا وهناك في بعض المصادر. ولما كانت نصرة المظلومين من أوجب الواجبات، خصوصاً إذا اقتنع المرء بأداء هذا الواجب. وتقديرا مني لإعطاء هذا الشاعر المتميز حقه في إظهار فضله وإبراز مكانته التي يستحقها، فقد كتبت مقالي الأول عنه للتعريف به، لأنه لم يكن معروفاً جيداً، حتى في محيط أسرته العائلية؛ بسبب غربته الطويلة، وفي مسقط رأسه الذي اضطرته ظروف الوضع الجديد الذي نشأ في فلسطين على الهجرة إلى العراق العزيز. كتبت مقالي الأول، كما ذكرت، بعد وفاته مباشرة، ونشرته في جريدة القدس وقدمته كمحاضرة في قاعة الغرفة التجارية في جنين بحضور وفد من وزارة الثقافة الفلسطينية برئاسة السيد يحيى يخلف، وكيل الوزارة في حينه، ووزير الثقافة فيما بعد، ومشاركة السيد حكمت زيد وزير الزراعة. ثم أتبعته بمقال آخر تحدثت فيه عن مؤلفاته ومكانته الأدبية التي يستحقها، ونشرته في أسبوعية (الوطن) التي كانت تصدر في غزة بتاريخ 641995م. ولما كان من أول الشعراء الفلسطينيين الذين طرقوا باب الشعر المسرحي حيث تحدث شعراً مسرحياً عن القضية الفلسطينية منذ نشأتها حتى العام 1947م؛ أي إلى ما قبيل النكبة مباشرة، كتجربة أولى، كما يقول في مقدمة المسرحية. أطلق على المسرحية اسماً رمزيا موحياً بعظمة الاسم والمسمى فسماها: (وطن الشهيد) وطبعها ونشرها سنة 1947م. قمت بدراسة المسرحية دراسة وافية، وقدمتها للقراء الكرام في جريدة القدس في سلسلة مقالات بلغت ثلاثين حلقة تحت عنوان: (وطن الشهيد)، مسرحية شعرية للشاعر برهان الدين العبوشي، عرض وتحليل وتعليق: ياسين السعدي. تم تشكيل لجنة في بلدية جنين لتسمية الشوارع في المدينة بما يتناسب مع الوضع العام، وما يليق بالأسماء المقترحة. في اجتماع اللجنة التي تم اختياري عضواً فيها، تم طرح اسم الشاعر برهان الدين لإطلاقه على أحد الشوارع الفرعية في المدينة، ولكني لم أوافق على ذلك الطرح، وأوضحت أن برهان الدين شاعر، بالإضافة إلى أنه مناضل، وإطلاق اسمه على مدرسة أولى من تسمية شارع باسمه، حتى لو كان شارعاً مركزيا. وأيد هذا الطرح أستاذي وصديقي، عضو المجلس البلدي في حينه، وعضو اللجنة، الأستاذ يوسف أبو زينة، رحمه الله، وكذلك عضو اللجنة؛ الصديق المؤرخ الفلسطيني الجنيني المعاصر، الأستاذ مخلص محجوب السعيد، الذي استحسن هذا الطرح وأيده. طلب أحد الحضور أن يكون اسم شقيقه المتوفى من ضمن الأسماء المقترحة, ولكني أجبته بأسلوب مهذب: هذا شاعر ومناضل ومعلم حيث علم في بغداد لمدة سبعة عشر عاماً، أما أخوك المرحوم فقد كان معلما، ولو قدمنا اسم كل معلم، أو حتى مدير مدرسة، فلن نستطيع القيام بالمهمة. بتاريخ 1122012م أقيم حفل تكريم للشاعر بمناسبة مرور مائة عام على مولده، في قاعة مكتبة بلدية جنين، بمبادرة من مركز شباب جنين الثقافي (ِشارك) حضره نخبة من الأدباء والمثقفين وقائد منطقة جنين ومديرة التربية والتعليم، والصديق الأستاذ علي ظاهر جرار، نائب مدير التربية والتعليم السابق، والمؤرخ الفلسطيني الجنيني المعاصر، الأستاذ مخلص محجوب، والباحث شمس الدين عصيدة، الذي كان يعد بحثاً عن الشاعر لنيل درجة الماجستير في الأدب. في هذا الحفل ذكر ممثل البلدية أنه تم إطلاق اسم الشاعر على أحد شوارع المدينة. فأعدت طرح اقتراحي بأن الشاعر يستحق أن يطلق اسمه على إحدى مدارس مدينته، وليس على شارع فرعي فقط. في ذلك الاحتفال لمعت في ذهني فكرة إثارة الموضوع بشكل جدي شبه ملزم، وهو جمع التواقيع من النخبة في جنين ممن يقدرون الأدب ويقدرون من قدموا لجنين وعملوا على رفعتها وعلو اسمها، والذين دافعوا عنها باللسان والسنان. بدأت بجمع التواقيع على نموذج يضم خمسة عشر اسما إلى أن جمعت سبعة نماذج فصار لدي 105 تواقيع ضمت مديري التربية والتعليم المتقاعدين، ومعلمين ومدراء مدارس سابقين ومحامين وأطباء وصيادلة وأعضاء المجلس التشريعي في جنين ورؤساء البلدية السابقين، ورئيس البلدية وأعضاء المجلس البلدي، ورئيس وأعضاء الغرفة التجارية، وفضيلة مدير الأوقاف، الشيخ حسن شحادة، وفضيلة القاضي الشرعي، الشيخ صالح أبو فرحة، وغيرهم ممن لهم حضور يعتد به في المدينة، وحرصت أن لا يكون واحد منهم من أقارب الشاعر آل العبوشي الكرام، حتى لا يظن البعض أن الدعوة عائلية. استعنت فقط بأستاذي، المحامي أديب العبوشي، لمرافقتي عندما قررت تقديم الطلب لرئيس البلدية الذي أشار إلى ضرورة تقديم نسخة منه إلى مديرية التربية والتعليم، حيث قمت بتسليمه لمديرة التربية والتعليم، السيدة سناء الطاهر؛ لكي ترفعه إلى وزارة التربية والتعليم، وتوجهنا إلى الدكتور علي الجرباوي، وزير التربية والتعليم العالي، لمتابعة الموضوع مع وزارة التربية والتعليم، التي استجابت مشكورة، وتم إطلاق اسم الشاعر على مدرسة للإناث في جنين تحمل اسم: مدرسة برهان الدين العبوشي. لا أفاخر، ولكني فقط، للأمانة والتاريخ، أريد أن أنوه أنني كنت قد طرحت أيضاً على رئيس البلدية السابق، والذي أعيد انتخابه من جديد، السيد وليد أبو مويس، إطلاق اسم الشهيدين، إبراهيم جلامنة (الفرقع)، وإبراهيم الزريقي، على المدرسة التي بنيت حديثاً في موقع المسلخ البلدي القديم في الحي الشرقي فاستجابت البلدية مشكورة بتسمية المدرسة: (مدرسة الإبراهيمين) تخليداً لبطولتهما وتقديراً لمن يستحقون التقدير من المناضلين الصادقين. استشهد هذان البطلان خلال مواجهة قاسية مع قوات الاحتلال في الانتفاضة الأولى بتاريخ 2681992م استمرت نحو سبع ساعات، وقتل فيها قائد القوات الإسرائيلية نفسه، إلياهو أبراهام، وهي أول مواجهة استخدمت فيها صواريخ لاو المضادة للدروع. وكنت قد نظمت في تلك المعركة قصيدة مطولة بعنوان: (عرس الشهداء) بدأتها: قومي جنين استيقظي، قومي اسمعي ***** عرس الزريقي واحتفال الفرقع قومي اشهدي حفلَ الشهادةِ وانظري ***** صُوَرَ البطولةِ مثلُها لم يُصْنَعِ وقلت فيها: هم فتيةٌ غُرٌّ أضاؤوا دربَنا ***** نَهَلوا البطولةَ من كريمِ المنبعِ الشامخونَ ببذلهمْ أرواحَهمْ ***** رمزُ الشهادةِ، كالنجومِ السُّطَّعِ ما مات من جعلَ الشهادةََ تاجَهُ ***** شَتّانَ بينَ المُفْتَدي والمُدَّعي ! إنَّ الخلودَ لمنْ يجودُ بروحهِ ***** من غيرِ ما كسْبٍ لهُ، أو مطْمَعِ يبغي لقاءَ اللهِ فديةَ موْطنٍ ***** وعقيدةٍ، في الحقِّ لمْ يَتَزَعْزَعِ ستظلُّ ذكراكم على طولِ المدى ***** عّنْوانَ مجدٍ في السطورِ مُشَعْشِعِ نشرت في جريدة القدس يوم الأحد بتاريخ 2652006م؛ صفحة 20 [email protected] متصفحك لا يدعم الجافاسكربت أو أنها غير مفعلة ، لذا لن تتمكن من استخدام التعليقات وبعض الخيارات الأخرى ما لم تقم بتفعيله. ما هذا ؟ Bookmarks هي طريقة لتخزين وتنظيم وادارة مفضلتك الشخصية من مواقع الانترنت .. هذه بعض اشهر المواقع التي تقدم لك هذه الخدمة ، والتي تمكنك من حفظ مفضلتك الشخصية والوصول اليها في اي وقت ومن اي مكان يتصل بالانترنت للمزيد من المعلومات مفضلة اجتماعية