فكري قاسم أشتاق كثيراً لأن أفقد ذاكرتي لأسابيع أو شهور، لا يهم. لم يعد ثمة شيء أشتاق لأن أتذكره سوى أنني مازلت حياً؟! ضغوط الحياة اليومية أشد وجعاً من الضغوط الدولية التي يدوِش رؤوسنا بها ليل نهار ساسة البلد. بل إن ضغط الدم الذي يكاد يدمر رأس مواطنٍ غلبان عجز عن دفع ثمن إيجار البيت، أخطر ألف مرة من ضغط عبوة ناسفة يخطط أحدنا أن يرميها في حوش البيت الأبيض ويغدو منتشياً يردد: الله أكبر؟! ليتني أستطيع أن أخلع رأسي كخوذة محارب وأنام دون تفكير مثل طفلٍ رضيع. التفكير في مجتمعاتنا المختلفة هذه غدا مشكلة، فيما"الهوشلية" تذكرة العبور إلى حيث تحلم أن تكون؟! وعلى ذكر ضغوط الحياة اليومية لاحظ الأطباء أثناء الحربين العالميتين الأولى والثانية ظاهرة غريبة تسللت إلى أوردة ووجوه المحاربين الذين نجوا .. وياليتهم ماتوا ولا عذاب الذاكرة التي أنستهم حتى عظمة ما تعلق على صدورهم فيما بعد من أوسمة ونياشين. المهم –كما لاحظ الأطباء- أن شوية "الدنادح" والنياشين التي علقت على صدور المحاربين باعتبارهم أبطالاً لم تستطع _بعدالحرب_ أن تطبب ما تلبس الجنود والضباط من الخوف ومن الشعور بالرعب لأبسط المؤثرات الخارجية فيما بعد. وهي ما عرفت في ذلك الوقت ب(ظاهرة إجهاد المعركة). وفي الوقت الحاضر أجمع العلماء على تسميتها مجددا بظاهرة "الاضطرابات النفسية الناجمة عن ضغوط الحياة المدمرة" لدرجة أن قفل الباب بشدة _ مثلاً_ يجعل ذلك المحارب الصنديد "ينكز" مفجوعاً وكأنه لم يحمل يوماً البندقية، تماماً مثلما "أنكز" دائماً كلما أمر -آمناً بأمان الله- من شارع ما، وفجأة أجد دزينة "طُماش" تتفرقع بين أقدامي، ثم -وبعد أن تكون الفجيعة قد حولت دورتي الدموية إلى ما يشبه قميصا برازيليا شديد الاصفرار، أكتشف فجأة أن ما حدث ليس أكثر من دعابة أطفال يخبروننا (بجلافة) أن الدُنيا عيد! ضغوط الحياة ليست مسئولة عن ارتفاع ضغط الدم فحسب، بل وبالشعور بالهزيمة والإجهاد الذهني، وقد تكون مسئولة –أيضا- عن تدمير مناطق خاصة بالمخ وزيادة الإصابة بفقدان الذاكرة. لذلك أعتقد أن الضغوط الدولية التي يعاني منها طحاطيحنا، وقادتنا الكبار، هي السبب الرئيس في تدمير مناطق "المُخ" لديهم -هذا إن كان لدى بعضهم مخ من أصله- حتى بدا التفكير لديهم متخلفا ويفتقد غالبا للقدرة على النظر بعينين مفتوحتين للأمام. كما أنه على ما يبدو، سبب مباشر لفقدان ذاكراتهم، سيما وأن لكثير من طحاطيحنا الكبار وعودا يكررونها باستمرار في مواسم الانتخابات، ثم تتحول -فيما بعد- إلى فصل خريف دائم، ويأخذهم النسيان كما تأخذهم الكراسي. [email protected] *صحيفة اليمن اليوم