أ.د. سامي سعيد حبيب ظهر على السطح على الرغم من تزاحم أحداث المنطقة المحمومة خصوصاً أحداث سوريا بين النظام الدكتاتوري والجيش الحر واتساع دائرة الحرب إلى لبنان و ربما في القريب إلى حرب طائفية إقليمية ، ظهر من جديد الصراع التاريخي على حصص مياه النيل بين دول المنبع ودول المصب لأطول وأحد أعظم أنهار العالم النيل البالغ طوله 7,000 كيلومتر ، إثر بدء أثيوبيا مشروعاً عملاقاً لتوليد الكهرباء من الطاقة الحركية للمياه المتدفقة من سد ستبنيه وما أسمته سد النهضة لإنتاج 6,000 ميغاوات بعد أن تكون القدرة التخزينية للسد قد اكتملت بعد سنة من الآن. و شهد الأسبوع الماضي تحويل مياه النهر للبدء في عمليات الإنشاء في السد المشار إليه ، هذا التطور الخطير سيكون له تداعياته على العديد من دول المصب وعلى رأسها مصر الشقيقة التي يقال عنها بأنها هبة النيل ، تأتي هذه التطورات رغم وجود اتفاقية تاريخية لاقتسام مياه النيل المتدفقة ب 84 مليار متر مكعب سنوياً موقعة عام 1929 م و تبلغ حصة مصر من مياه النيل حسب الاتفاقية 55,5 مليارمتر مكعب و حصة السودان 18,5 مليار متر مكعب ، الأمر الذي تسبب في استنفار شبه عام بمصر من قبل السياسيين و القوات المسلحة ، لاسيما وأن البصمات الإسرائيلية واضحة على مؤامرة تعطيش مصر و السودان. لم تزل الدولة الصهيونية منذ تأسيسها تعاني من شح المياه ، وتكاد تستنزف بحيرة طبرية مصدر المياه العذبة الوحيد فيها ، وهي لذلك في محاولات مستمرة لسرقة المياه من دول الطوق ، والأطماع اليهودية في سرقة مياه النيل سبقت حتى تأسيس الدولة الصهيونية ذاتها ، ففي عرض تقدم به "ثيودور هرتزل" مؤسس الحركة الصهيونية إلى الحكومة المصرية والبريطانيين طرح فيه فكرة تحويل مياه النيل إلى سيناء وفلسطين . ولا تزال المحاولات مستمرة إلى أن جاءت اتفاقية كامب ديفيد المشئومة إذ اشتملت على بند مسكوت عنه يتعلق بشق قناة مائية عبر سيناء ثم إلى إسرائيل قال عنها الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات بأنه ينوي تحويل جزء من مياه النيل إلى القدس ، و أرسل في هذا الصدد خطاباً لشريكه في "السلام" رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيغن يفيد بذلك ، وأنه سيجعل من مياه النيل مساهمة من الشعب المصري رمزاً خالداً على اتفاق السلام. وقد شرع السادات في تنفيذ المشروع لولا أنه اصطدم بالمعارضة الشعبية المصرية و بتهديد من الرئيس الأثيوبي السابق "منجستو هيلا مريام" شيوعي النزعة بإجراء تغييرات جذرية في مجرى النهر ، كما تبنى نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك المشروع بعد أن تغيرت القيادة الأثيوبية ووصل إلى سدة الحكم "ميليس زيناوي" الذي كان موالياً لإسرائيل وأمريكا. الخيارات أمام الحكومة الأثيوبية لتوليد الطاقة الكهربائية كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر بالاعتماد على الطاقة النووية كما هو توجه المملكة العربية السعودية مثلاً رغم أنها صاحبة أكبر احتياط نفط عالمي ، لكن يبدو أن مشروع سد النهضة الأثيوبي محل الإشكال هو مشروع صهيوني للنخاع من أجل ممارسة الضغط على مصر الشقيقة و قيادتها الجديدة ، الضغط لتحقيق الأحلام الصهيونية القديمة المتجددة فإما تحويل مجرى النيل إلى سيناء فإسرائيل على حساب مصر و التنمية المستدامة بمصر و استصلاح الأراضي الزراعي واللازم لإطعام شعب متكاثر ناهز تعداده المائة مليون نسمة و حرمان مصر من قرابة 4 مليارات متر مكعب من الماء سنوياً ، أو مواجهة تخفيض حصة مصر من مياه النهر من المنبع. و يبدو أن مصر ستتدرج في حل هذه المؤامرة الصهيو-أثيوبية من الحلول الدبلوماسية الهادئة و محاولات إغراء أثيوبيا بحزم التعاون الاقتصادي ثم الدخول في متاهات ما يسمى بالأمم المتحدة و نهاية بالاضطرار إلى ضرب السد ، و تبقى رأس الأفعى دولة إسرائيل وراء الكثير من ويلات المنطقة إلى أن يحين زوالها و لو بعد حين. للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (42) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain