06-15-2013 09:57 الجنوب الحر - متابعات لا أحد يجزم بذلك ، لكن ما أثارته الصحف الأمريكية ، والغربية وكذلك الصحافة العربية تضع الامر في اطار الممكن جداً والمتوقع ، فهناك أسباب كثيرة تدعم هذا السيناريو المحتمل في مجريات الأحداث التاريخية الكبيرة التي تشهدها المنطقة العربية برمتها ابتداء من مطلع العام 2011 ، جعلت الشعوب تعيش فترة غرائبية ومدهشة تُساق إثرها بلاد العرب نحو تحول دراماتيكي كبير لم تشهده منذ سقوط الدولة العثمانية وقيام دول ما بات يعرف بالشرق الأوسط وفقاً للقاموس السياسي الغربي . ولهذا فإن القراءات المتأنية لخارطة الصراع على المنطقة العربية والكيفية التي يتشكل على أساسها المستقبل السياسي لا تضع مكاناً للتفاؤل وتبدد كل وَهْم بان دولاً بذاتها تبقى بمنأى عن المآلات الخطيرة وهناك مؤشرات كثيرة ربما تغيب عن الغارقين بالأنشغال بالفتوحات الجديدة او الزعامات الاقليمية تحت راية الربيع العربي . إذاً ربما يدور الزمن على الإبن الذي قاد انقلاباً ابيضاً على أبيه في صيف 1995، ووصفه المراقبون حينها بانه انقلاب تلفزيوني حين استدعى الشيخ حمد بن خليفة ، ولي عهد أبيه ووزير الدفاع حينها ، قادة الجيش وأعيان البلاد إلى ضيافته وبينما كانت كاميرات التلفزيون تعرض المشهد كان هناك بيان سياسي إلى الشعب القطري يعلن انتقال الحاكمية من يد الشيخ الأب إلى يد نجله ولي العهد الذي تدرج أيضاً في مناصب عسكرية بعد تخرجه من أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية في المملكة المتحدة في العام 71. كان ذلك اليوم الصيفي 27 يونيو بداية مدهشة وطموحة استطاع الأمير بعدها من القيام بخطوات كبيرة على أصعدة مختلفة . لكن قطر الإمارة الصغيرة التي حاولت ان تبني لها بيتاً مميزاً في اطار المنظومة الخليجية ، لم تدرك مكانتها الكبيرة الا بعد تطوير الاكتشافات الغازية الهائلة التي حولتها إلى ثالث وربما ثاني أكبر احتياطي غاز في العالم حين بلغ احتياطها اكثر من 900 تريليون قدم مكعب ( قرابة 2600 تريليون قدم مكعب هو احتياطي الشرق الأوسط بما فيه ايران ) وأنشأت على أساسه منظومة صناعية حديثة . وفي خط موازٍ كانت بذرة الطموح العظيم ، لخروج قطر من جغرافيتها الضيقة ، قد وضعتها في مسارات بارزة ومؤثرة للغاية ليست اولها تطور الترسانة الإعلامية التي تمثلها قناة الجزيرة كقناة عالمية حققت شهرةً واسعة منذ انطلاقها وخاصة من خلال تغطياتها الميدانية المتميزة كمصدر وحيد لحرب امريكا والناتو على أفغانستان لتتوالى الأحداث بعدها حتى أصبحت الجزيرة دولة أكبر من الإمارة نفسها . وفي سياقات أخرى لعبت قطر ادواراً سياسية ودبلوماسية في كثير من الأزمات في المنطقة العربية وحاولت التفرد بانتهاج علاقات متوازنة مثيرة للجدل مع الغرب وإسرائيل من ناحية ومع الجيران العرب وغيرهم من ناحية اخرى . وفي منحى جوهري لم تنس قطر أن تجهِّز ثلث مساحتها للقواعد الأمريكية في مقايضة مفترضة لتمكينها من لعب أدوارها اللاحقة في المنطقة دون خوف على كيانها من اي تهديد خارجي . ومن المؤكد ان هذه المراحل المتسارعة في بروز قطر كقوة إقليمية رائدة كانت ولم تزل مثيرة للغاية وتدفع كثيرا من المراقبين إلى استشراف المحصلة النهائية او الإجابة على السؤال الكبير : إلى اين تذهب قطر. أخيراً كان ما يسمى بالربيع العربي أرضية نموذجية وجدت قطر من خلال علاقاتها المتميزة ببعض المنظمات والأحزاب والمؤسسات العربية ، ومن خلال سلطانها الاعلامي الفتَّاك ، وكذلك المال السياسي الوفير جداً ، انه قد حان الوقت لان تتوَّج على عرش امبراطورية شرق اوسطية جديدة في فرصة ستراتيجية لا مثيل لها في التاريخ ، فسارعت في تدخلاتها ومشاريعها وأموالها لاحتواء المشهد العربي برمَّته دون حسابات موضوعية ، حتى باتت ما يشبه بغرفة عمليات تشرف على حراك الوضع السياسي المتأزم والمتفجر في دول عربية رئيسة وعريقة تمثل القوام البشري والاستراتيجي الأهم في معادلات المستقبل . ولم تتوقف الأحلام عند حدِّ السيطرة الإقليمية من خلال دعمها واستئثارها بالتنظيمات الإسلامية الشعبية وقدرتها على تمويل مشاريع اقتصادية أساسية تمهد لنفوذها السياسي المستمر في المنطقة ، بل أنها تسعى ضمن منافسات دولية كبيرة ، كما يبدو ، لبناء شريان طاقوي أساسي بواسطة مد أنبوب للغاز عابر للقارات ربما يمر عبر الصحراء العربية نحو الأردن ثم سوريا إلى البحر المتوسط ومنه إلى جنوب أوروبا يساهم في تقويض اعتماد أوروبا على الغاز الروسي ، وهذا الأخير مشروع حيوي جبار يدعمه الغرب لو انه أتى بمعزل عن منظومة الطموح بدور سياسي محوري وكبير يفوق حجمها كدولة صغيرة تحكمها عائلة موناركية لا زالت تعتمد على الولاياتالمتحدة في تحديد شروط بقائها . ناهيك عن أدوار متعدده تهدف من خلالها قطر بان تمثل مركز عالمي تتقاطع عنده مصالح دولية وإقليمية كبيرة . وهنا أدرك الحلفاء في الغرب قبل الخصوم والمتنافسين الإقليميين أن قطر قد خرجت عن كونها قاعدة عسكرية وشريان للطاقة ومصدر لتمويل حروب الغرب في المنطقة ، وان طموح هذه الإمارة الصغيرة في اتجاهات مختلفة قد انفلت عن كونه طيش سياسي ليصبح سلوك مغامر وخطير في وضع تاريخي مفصلي ربما سيحدد مصائر أهم المناطق الحيوية في العالم والذي بدأت تتشكَّل على خلفيته مقدمات قوية لقيام نظام عالمي متعدد القطبية يحدد ملامح وطبيعة الصراعات الرئيسة والحروب الباردة في العقود القادمة . وبالطبع لا مجال للحلم القطري الفضفاض الذي أفقد الإمارة الصغيرة اي توازن موضوعي ، ودفعها للسعي من اجل إحتواء دولاً كبيرة من جهة وابهات دور دولا كبيرة اخرى من جهة ثانية ، وتفرعت اذرعه الاخطبوطية الى مناطق محظورة إلى درجة ان الغرب لم يعد يتحمّل أي شيء وكل شيء خاصة وانه ظل منذ عقود يعدُّ خططه المبنية على دراسات ستراتيجية وفكر وجهود استخباراتية تاريخية لتغيير الخارطة السياسية وإعادة توجيه بوصلة الصراعات باتجاهات تصب في مصالحه الكبيرة وتضمن الهيمنة الاسرائيلية المطلقة . وقبل ان تتسبب دولة قطر بنهمها اللامحدود في مخاطرات حقيقية ربما أدركت الولاياتالمتحدة بان دور الشيخ حمد ووزير خارجيته قد اكتمل إلى حد ان بقاءهما مكلف للغاية ، من زاوية الحرص على ان تستمر قطر في خدمتها للمشاريع الأمريكية دون ان تحلم باي شراكة إقليمية ، كونها تقف في مشهد فارق كمن يحمل صخرة ضخمة توشك ان تسقط على كاهله . ومن هنا أتى التوجيه الحاسم لإخلاء الطريق للابن المتميز لان يضع مصيراً لأبيه كما وضع الأخير مصيرا للشيخ الجد . ولا تفوتنا الإشارة ان هذه الخطوة المفترضة تزامنت مع إرهاصات تنذر بتلاشي مشروع الاردوغانية في تركيا كنسخة حضارية للعثمانية المقبورة مما يؤكد بان الغرب يضع خطوط حمراء لحلفائه في المنطقة لينبِّههم بان كل شيء تحت السيطرة . هذا من باب المجازفة في التحليل . كل هذا يأتي في ظروف خطيرة للغاية أصبحت عندها بلاد العرب خربانة ( كما وصفها احد الكتاب ) ، ففي مصر المهددة بعطش النيل وتمرد 30 يونيو ، وصل ربيعها إلى انسداد حقيقي وبات يهدد بتفكك الدولة المتجذرة في التاريخ ، وفي سوريا يجري الحديث عن تسليح المعارضة لتحقيق توازن عسكري يطيل الحرب والدمار الشامل ، وتونس تصارع جاهدة في مواجهة معضلات حقيقية ، وفي العراق دموع ودماء ، وليبيا الممزقة بين أنياب المليشيات والسودان المثخن بالجراحات ، ولبنان المهدد من كل اتجاهات الريح واليمن الذي ينتحر ببطئ والجزائر الذي يتأهب للدخول الى مرحلة ما بعد بوتفليقة ، ودول الخليج واولها المملكة السعودية التي لم تعد تمثل استثناءاً كما حلمت ، وهكذا وأينما وليت وجهك (كل شيء قابل للانفجار ) . ولا يسع المرء في السطور الأخيره الا ان يُذَكِّر بما كتبه الراحل الكبير محمود درويش : وأعُدُّ أضلاعي فيهرب من يدي بردى وتتركني ضفاف النيل مبتعدا وابحث عن حدود أصابعي فأرى العواصمَ كلها زبدا [email protected] *متخصص في مجال النفط / كندا