بقلم: المهندس/ عمر سعيد باحاج* إن الجدل الدائر حالياً في الاوساط السياسية اليمنية يدور حول كيفية الخروج من المازق، كما تنتقد الاوساط السياسية ان احد العناصر الرئيسية لحل المشكلة اليمنية هو حل للقضية الجنوبية، بصرف النظر عن طبيعة مفهوم تلك القضية إن كانت سياسية او اجتماعية أو حقوقية والاهم من ذلك ان هناك قضية توجب الحل وهنا يطرح سؤال جريء اذا كانت الرغبة في حل جميع القضايا فلماذا لا تطرح قضية حضرموت التي ضمت قسراً الى جمهورية اليمنالجنوبية الشعبية عام1967م دون احترام لارادة شعب حضرموت الذي تعرض لابشع انواع الارهاب والتهميش والسحل من قبل عصابات الجبهة القومية ومن ثم دولة جمهورية اليمنالجنوبية الشعبية الى يومنا هذا . وقد يتساءل البعض من محديثي العمل السياسي هل هناك شعب وتاريخ وهوية اسمها حضرموت ؟! أي بمعنى آخر هل هناك قضية اسمها القضية الحضرمية اننا لم نسمع عن تلك القضية لا في ادبيات ولا مناهج التعليم لدولة جمهورية اليمنالجنوبية (بعدها الديمقراطية) الشعبية قبل الوحدة ولا في الجمهورية اليمنية حتى الآن ، هذا صحيح ان تلك الدولتين قبل وبعد الوحدة لم تكن تتناول الموضوع الحضرمي في ادبياتها ولا انها المؤامرة التي حيكت على ابناء حضرموت منذ 1967م . ان النظام الذي حكم عدن والمحميات الغربية والشرقية منذ عام 1967م عمل على طمس هوية حضرموت باستخدام اساليب لا اخلاقية وامنية وثقافية ولكي تتضح الصورة اكثر علينا بسرد بعض الاحداث والحقائق التاريخية المتأصلة بمرحلة طمس الهوية الحضرمية. كانت البداية في 17 سبتمبر 1967م عندما سقطت مدينة المكلا عاصمة الدولة القعيطية الحضرمية وفي 2 اكتوبر 1967م سقطت مدينة سيئون عاصمة الدولة الكثيرية الحضرمية على ايدي عناصر الجبهة القومية سقطت تلك العاصمتين بالتواطؤ مع القيادة البريطانية في المحمية الشرقية في اطار المؤامرة على حضرموت وبقية المحميات وعدن وبسقوط حضرموت بدأ يتضح مقدار المعاناة للانسان الحضرمي مع حقوقه المادية والمعنوية فقد تم مصادرة حرية التعبير عن الهوية الحضرمية واعتبار ذلك جريمة وخيانة عظمى حتى وصل الى حد الاعدام لكثيراً من ابناء حضرموت وعلى سبيل المثال عبدالرحمن بازرقان وهادي زيدان وحسين الذيباني وسعيد باحسين العمودي والعقيد باقروان وأحمد برجف وبخيت القرزي والديني وغيرهم كثير تم إعدامهم دون محاكمات وغيرها كثير تم اعدامهم دون محاكمات ، لقد تم قتل وسحل وارهاب كل من حاول ان يعبر عن هويته الحضرمية، وقد اتضح جليا رفض النظام ومحاربته للهوية الحضرمية من خلال اصدار بعض المراسيم التي حاولت طمس الهوية فأول تلك المراسيم تسمية المحافظات بالارقام بدلاً من المسميات الجغرافية او التاريخية فمثلاً الاولى (عدن) والثانية (لحج) الخامسة و(حضرموت) ، ثم لحق ذلك مجموعة قوانين ومنها قانون اللقب أي بمعنى آخر يجب حذف اللقب في المخاطبات الرسمية فمثلا عمر سعيد احمد باحاج يكتفي ب عمر سعيد احمد دون ذكر اللقب مدركين ان الالقاب في حضرموت جزء من الشخصية الحضرمية ، الا انهم فشلوا في ذلك ولم يكتفي بذلك بل تعمدوا تخريب كل ماهو جميل في حضرموت ابتداءً من تهديم سدة المكلا وانتهاء بالانتفاضات الفلاحية والصيادية وقد حصرت بذات في حضرموت وتحت اشراف المدعو عبدالله الاشطل (اسمه الحركي "حسن علي") تلك الاحداث والوقائع اصابت الانسان الحضرمي بصدمة نفسية جعلته يتسائل لماذا العبث الذي يصل الى حد الحقد على حضرموت ؟ ماذا فعل شعب حضرموت حتى يستحق ذلك الظلم للاجابة عن تلك الاسئلة علينا العودة الى اول زيارة قام بها اول رئيس جمهورية الى المكلا عاصمة المحافظة الخامسة (حضرموت) قحطان الشعبي وذلك في شهر يناير 1968م في تلك الزيارة حضر رئيس الجمهورية عرضاً لوحدات عسكرية كان ذلك في ساحة قصر المعين (14 أكتوبر) تلك الوحدات كانت تمثل عناصر من جيش البادية والنظام والشرطة لقد لفت ذلك العرض انتباه الحضور مما جعل احد قيادة الجبهة القومية (من خارج المحافظة) الجالس بجوار الرئيس يقول له هامساً في اذنه ان هذه ليست قوات محافظة انما هي قوات دولة ، وكانت بداية التفكير في التخلص من تلك القوة فزجوا بجيش البادية في حروب محلية ضد آل غرابفي المشقاص وضد أل باقروانفي حجر والعوالقفي شبوه وتم الاجهاز عليه والتخلص نهائيا منه بموامرة حرب الوديعة المفتعلة حيث تم زجه في تلك الحرب وفي الصحراء دون غطاء جوي او امدادات عسكرية ليلقى عناصر عديدة من ذلك الجيش مصرعهم وهروب البقية وللاسف الشديد كان وزير الدفاع آنذاك من القيادات الحضرمية في الدولة، لقد فضل ذلك القيادي مصلحته الشخصية وربما كان متآمر ضد ابناء جلدته ولقد استمر العبث بحضرموت في كثير من مناحي الحياة، ففي الجانب الاقتصادي تم القضاء على النمو الاقتصادي المحدود الذي بدا يزدهر ويترسخ من خلال انشاء مجموعة من المؤسسات والشركات والاقتصادية التي اعتمد في تعاملها على اسلوب الاكتتاب مثل المنظمة الوطنية للخدمات العمومية التي اعتبرت آنذاك باكورة البورصة على مستوى جنوب الجزيرة العربية وهناك كثير من المؤسسات مثل السينما الاهلية ومؤسسة الكهرباء في الشحر وشبام وغيرها كل تلك المؤسسات تم مصادرتها وتأميمها كما ان قانون التأميم الذي صدر عام 1973م قضى نهائيا على رغبة المستثمرين في بناء المشاريع والملاحظ بان قانون التاميم لم يفعّل بشكل كبير الا في حضرموتوعدن حيث توجد املاك عقارية لابناء حضرموت في شارع المعلا وغيرها اما الملاك من ابناء اليمن الشمالي فقد تم اشعارهم مسبقاً من قبل عناصر في السلطة لذا تصرف كثيراً منهم في املاكهم في عدن، واما الاجانب التابعين لبريطانيا وغيرها فقد تم تعويضهم . لقد وصل الضرر الى الجانب الاجتماعي لابناء حضرموت بانقطاع التواصل مع اخوتهم في شرق آسيا ادى الى ضعف الروابط بين الداخل والمهجر وكان ذلك سبب انتهاج السياسيات اليسارية، كل ذلك الضرر للاسف الشديد ساهم فيه بعض متعلمي ومثقفي حضرموت بقصد وبرغبة تحقيق مصلحة شخصية ، وساهموا هؤلاء في خلق مأساة بظلم حضرموت التي تشكل اكثر من (60%) من السكان آنذاك ومساحة اكبر من (75%) من مساحة البلاد وتساهم في الدخل القومي باكثر من (70%) ومن خلال ايرادات المغتربين والاسماك وغيرها لم يشفع لها ذلك بل اعتبرت كاحدى المحافظات الصغيرة. لقد ساهم بعض ابناء حضرموت في طمس الهوية الحضرمية من خلال ترويجهم للهوية اليمنية كما يفعل بعض المثقفين من ابناء حضرموت اليوم لترويجهم للهوية الجنوبية محاولين طمس الهوية الحضرمية مرة اخرى لتستمر المأساة متناسين بان هوية حضرموت لها ما يؤكد وجودها ووضوحها أكثر من الهوية الجنوبية المراد فرضها على ابناء حضرموت مستغلين حالة الاحتقان ورفض الامر الواقع للهوية اليمنية ولاشك ان ما يؤكد هوية حضرموت جملة من العناصر الاساسية وهي التاريخ والجغرافيا وعلم الاجتماع بالاضافة للهج الدارجة أما اللغة العربية فهي عامل مشترك بين جميع الشعوب العربية وجامع لجميع الهويات الوطنية العربية ، اما العنصر السياسي فهو عنصر مؤقت مرتبط بظروف وحالة الوضع السياسي، فالهوية اليمنية تم فرضها على عدن والمحميات الغربية والشرقية في ظروف حركة التحرر العربي بالارهاب والقوة دون الرجوع الى شعوب المنطقة وهاهم اليوم يتبرأون من تلك الهوية باحثين عن هوية جديدة هي الهوية الجنوبية، أي انه هروباً من الهوية اليمنية الى الهوية الجنوبية التي لا تستند الى تلك العناصر المذكورة سلفا كما ان الهوية الجنوبية تتضمن بعض المحاذير من الجوار العربي فمفهوم الجنوب يعني جنوب الجزيرة العربية وبالتالي يضم كلاً من اليمن و عدنوحضرموتوعمان والامارات وقد يصل الى قطر وهذا ما يجعل الجوار العربي يتوجس من تلك الهوية حيث ان هناك سابقة قد حصلت الا وهي دعم الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج من قبل اليمن الديمقراطي. الخلاصة: يبدو ان قيادات العمل السياسي للحراك الجنوبي في كلاً من عدنوحضرموت لم تستوعبوا المرحلة ومتغيراتها فهم لايزالون بنفس العقلية القديمة وان استطاعتهم فرض اجندتهم السياسية من خلال العودة الى دولة ما قبل الوحدة مستغلين حالة الرفض لدى الشباب الى لكل ماهو يمني، هؤلاء الشباب الذين يرفضون اليمننه اليوم سيرفضون الجونبه غداً عندما يتضح لهم اكذوبة هوية حضرموتالجنوبية، عندئذ سينقلب السحر على الساحر حتى لو استخدموا الاساليب الامنية كما فعلوها في زمن حكم الجبهةالقومية والحزب الإشتراكي. ان شباب حضرموت بوعيهم المولود من رحم معاناتهم من التجربة اليمنيه سيدركون ان اليمننه لا تختلف كثيرا عند الجونبة فيما يخص كل الحقوق ومنها المادية والمعنوية وخاصة الهوية الوطنية وعلى دعاة الجونبه فتح قنوات حوار مع كل مكونات العمل السياسي الحاملة للقضية الحضرمية للوصول الى قواسم مشتركة تخدم الجميع وتأسس لبناء علاقة جديدة قائمة على اساس احترام الجوار والمصالح المشتركة واحترام هوية كل طرف وحتى لا نصل الى القطيعة في كثيرا من مناحي الحياة بيننا كما هو الحال مع الاخوة اليمنيين وعليه ان تدرك كل القوى الفاعلة في الساحة الحضرمية الجنوبية بان القضية الحضرمية المؤجلة سوف تصبح غداًعاجلة وعندها لا ينفع الندم. *عضو تجمع كتاب من أجل حضرموت مستقلة Related posts: