وفق دراسة نشرتها "ذا بوسطن كونسلتينج جروب" مؤخراً، حققت إدارات الخدمات المصرفية للشركات في البنوك في بلدان مجلس التعاون أعلى مستويات أدائها من حيث الإيرادات والأرباح الصافية، متخطية حتى مستويات ما قبل الأزمة المالية في 2008. ويظهر هذا الأداء القوي بشكل جلي عند مقارنته بأداء الخدمات المصرفية للأفراد في المصارف نفسها، حيث الإيرادات والأرباح الصافية بالكاد وصلت إلى مستويات سنة 2008. وفي تقريرها حول المقارنة المعيارية للخدمات المصرفية للشركات، أشارت "ذا بوسطن كونسلتينج جروب" إلى وجود "أداء بسرعات مختلفة" عندما يتعلق الأمر بالخدمات المصرفية للشركات في المصارف حول العالم، وأوضح التقرير أن هناك نمواً إيجابياً لأسواق بلدان مجلس التعاون الخليجي في هذا السياق. ومن خلال تقييم أداء مجموعة من المصارف الرائدة في منطقة بلدان مجلس التعاون الخليجي، والتي شاركت في المقارنة المعيارية التي أنجزتها "مجموعة بوسطن" بين الخدمات المصرفية للشركات، يتبيّن أن أسواق مجلس التعاون الخليجي تستعيد عافيتها بشكل أكبر مقارنة بما تشهده مناطق أخرى حيث نمت خدمات الشركات للبنوك التي شملتها المقارنة بنسبة 12% بين عامي 2009 و2011 ، وهي أعلى نسبة بين كل المناطق التي شملتها الدراسة. أما على المستوى العالمي فإن المصارف في أوروبا ما زالت ترزح تحت الضغط في أعقاب الأزمة المالية مع نمو محدود أو تراجع في الإيرادات، بينما تظهر إدارات الخدمات المصرفية للشركات في بلدان مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة الأميركية وآسيا والاقتصادات سريعة التطور واقتصادات الموارد المتقدمة (كندا وأستراليا) تحسنا في الأداء بنسبة أحادية العدد عالية أو حتى بنسبة ثنائية العدد. واللافت للاهتمام هو أن الخدمات المصرفية للشركات في البنوك في بلدان مجلس التعاون الخليجي لا تزال متأخرة إذا ما قورنت بغيرها بناءً على معايير أساسية أخرى كعائد رأس المال التشغيلي. كما أن حوالي ثلثي إدارات الخدمات المصرفية للشركات لا تُدر النسبة المتوقعة بشكل عام والمحددة في 16% من أدنى عائد للاستثمار. وقد صرح السيد ماركوس ماسي، شريك والعضو المنتدب لمجموعة "بوسطن كونسلتينج جروب"، ورئيس فريق الخدمات المصرفية للشركات والمؤسسات وأسواق رأس المال ومؤلف هذه الدراسة، قائلاً: "لقد استطاعت المصارف زيادة إيراداتها وحتى أرباحها عبر منح المزيد من القروض وإبقاء خسارة القروض تحت السيطرة، لكن خياراتها ظلت محدودة بالنسبة لتنويع مصادر الإيرادات بعيداً عن منح القروض العادية. ولذلك لم يترتب على ذلك أي تحسن حقيقي في العائد على رأس المال التشغيلي بالرغم من الايرادات المرتفعة". وتبدو النتائج التي توصل إليها التقرير أكثر وضوحاً عندما نحصل على فكرة مفصلة عن أداء المصارف. فقطاعات الخدمات المصرفية للشركات (سواءً كانت صغيرة جداً أو صغيرة، أو متوسطة أو كبيرة) داخل الخدمات المصرفية للشركات في المنطقة، والتي لها نسب أصغر من العائدات الناجمة عن القروض والمتميزة بأدائها الجيد جداً على معظم مستويات إطار العمل الذي وضعته مجموعة بوسطن لتقييم الخدمات المصرفية للشركات الممتازة أظهرت عائداً أكبر على رأس المال التشغيلي. وبالمقابل، فإن قطاعات الأعمال التي لها نسب عالية أو عالية جداً من عائداتها الناتجة عن منتجات القروض وأداء ضعيف على العديد من المستويات تبقى بعيدة كل البعد عن تحقيق المعدل المثالي للعائد على الاستثمار المحدد ب 16% الخاصة بعائد الاسهم. ويشير التقرير إلى أن الخدمات المصرفية للشركات ستحتاج إلى اعتماد مقاربة خاصة بكل قطاع لتحديد العائدات المستهدفة بغرض خلق حوافز تتماشى مع مصالح المستثمرين في الأسهم، طالما لا يمكن لكل القطاعات أن تقاس بناءً على حد أدنى واحد لعائد الاستثمار المستهدف. وأضاف السيد محمد ترّة، المدير في مكتب المجموعة في دبي والمؤلف المشارك في هذا التقرير قائلاً: "تميل المصارف في بلدان مجلس التعاون الخليجي إلى تبني نهج مختلف في الأداء مقارنة بنظيراتها في الأسواق المتقدمة في كل المقاييس تقريباً. وهذا يُظهر بوضوح الطبيعة المتطورة للسوق ودرجة تطور الخدمات لكل بنك على حدة، إذ نلاحظ أن المصارف القوية قادرة على تحقيق أداء أفضل". وتسلط الدراسة الضوء أيضاً على ثلاث خصائص "حاسمة جداً" للاعبين الرئيسيين في المنطقة. مزيج إيرادات مبنية على القيمة وقال السيد ماسي أن " كل أقسام الأعمال التي حققت أفضل أداء ربيعي ضمن هذه الخدمات المصرفية للشركات في المنطقة وأماكن أخرى لديها شيء واحد مشترك- مزيج ائتماني أقل في الإيرادات. فمعظم الاقسام التي كانت قادرة على تخطي العائد على نسبة الاستثمار كان لديها أقل من 55% من إيراداتها ناتجة عن منتجات القروض. وينطبق هذا على كثير من إدارات الخدمات المصرفية المتوسطة والصغرى في المنطقة، والتي كانت على قدم المساواة مع المصارف من الأسواق المتقدمة من حيث مزيج الإيرادات". ورغم الحجم الكبير لقطاع الخدمات المصرفية للشركات، استطاع عدد قليل فقط من المصارف تحقيق نسبة إيرادات أعلى من 15% بالنسبة للأعمال غير المرتبطة بالقروض، بينما في الأسواق النامية يرتفع معدل دخل القطاعات الكبرى للخدمات المصرفية للشركات غير المرتبطة بالقروض إلى الضعف لتصل إلى 30%. إن هذا الاعتماد الكبير من البنوك الخليجية على الدخل المرتبط بالقروض قد أثر بشكل كبير من حيث متطلبات رأس المال للمصارف وخفض عائداتها على رأس المال التشغيلي. دخل الائتمان المعدل في ضوء المخاطر إن أقسام الخدمات المصرفية للشركات ذات أفضل أداء تكون دائما الاقوى على مستوى الأداء الربيعي من حيث دخل الائتمان المعدل في ضوء المخاطر. ويمكن أن يعزى ذلك إلى دخل فائدة أفضل للأصول محسوبة المخاطر، بحيث تشير إلى إعادة هيكلة الأسعار التي تمكنت هذه المصارف من تحقيقها في أعقاب الأزمة ونجحت في تفادي خسائر كبيرة للقروض، إن لم تكن قد تفادت بالضرورة هذه الخسائر بالكامل. السيولة وإدارة رأس المال العامل المشترك بين الخدمات المصرفية للشركات التي حققت افضل أداء هو قدرتها على إدارة السيولة ورأس المال بنجاح خلال الأوقات العصيبة. وقد علق السيد ماسي على ذلك قائلاً: "لا يسمح قطاع الشركات في البنوك أبداً لنسبة القروض إلى الودائع أن تخرج عن السيطرة. فقد تمكنت من إبقاء النسبة أقل من 130%، بشكل ناجح وهذا يعني أنهم كانوا يمولون سيولتهم داخلياً إلى حد كبير. وفي الوقت نفسه، كانوا قادرين على إعادة توزيع رأسمالهم بطريقة ذكية للحصول على أفضل الإيرادات لأي من الأصول محسوبة المخاطر من خلال الإدارة بذكاء للبيع المتقاطع وتحسين التسعير". ومرة أخرى، كانت قطاعات الشركات المتوسطة والصغرى قادرة بشكل أفضل على الحفاظ على نسبة القروض إلى الودائع تحت السيطرة مقارنة بقطاع الشركات الكبرى التي صارعت لاستقطاب ودائع والمحافظة على قدرتها على الإقراض. وقد حقق قطاع الشركات في البنوك الخليجية بعض أعلى وأقل نسب القروض إلى الودائع مقارنة بنظيراتها في مختلف المناطق. وهذا يبرز مرة أخرى الاختلاف في أداء مصارف بلدان مجلس التعاون الخليجي مقارنة بنظرائها في أماكن أخرى من العالم. وقد خلص السيّد ترّة إلى أنه:" بينما كانت هذه العوامل الثلاثة مشتركة لدى البنوك الأقوى أداء، ستحتاج إدارات الخدمات المصرفية للشركات للعمل باستمرار على تطوير نموذج توزيعها ومراقبة التكاليف، وفي نفس الوقت الاستثمار في تحسين قدراتها. وفي السنوات العصيبة التي تلت الأزمة، كانت كل المصارف تركز على بعض التدابير الحاسمة الضرورية للاستمرارية. وبعد التغلب على فترة التحديات بشكل كبير، تحتاج المصارف اليوم أن تحدد دورتها المناسبة لتعزيز استمرار نمو عائداتها وربحيتها، علماً أنه ليس هناك تدابير مشتركة وقابلة للتطبيق على كل قطاعات الخدمات المصرفية للشركات حول العالم".