يتصدى المرء بالحديث لولده ولولد اخيه ولقريبه ولولد قريبه من أجل النصح والذكرى، فتجده وهو يكيل كلمات التحذير والترهيب والأوامر والنواهي تفوته أمور ويشوب كلامه ونبرته ما يجعل سامعه يضيق بما يسمع وينفر ويتحاشى المتكلم بعدها. إن تنبهت لاقوالك ولأسلوبك فستجعل من تنصحه يصغي ويناقش ويستفسر ويستزيدك في مرات أخر. شدة الاندماج في إلقاء النصح يبعد المتكلم عن الصواب ويكثر من التعليمات والتنبيه والانكار والأسئلة ويكرر محاسبة الآخر على أخطائه. قد يغفل الناصح أنه بذلك لا يترك من أمامه -وان كان ولده- الا محبطاً مكتئباً يطحنه القهر حتى على الوقت المنصرف في الاستماع. حديثنا ليس تقليلاً من أهمية ومعنى النصيحة الحكيمة بل عن المبالغة والخطأ في الأسلوب. ان احببت انساناً حدثاً في السن أو خارجا من محن ومواقف سيئة، وأردت له الخير والانطلاق من جديد فقل كل كلمة وأنت تريد له أن تستقيم شخصيته وتقوى عزيمته ويربو أمله في مستقبله، أما الثرثرة في كل التفاصيل ومداومة ذكر أخطائه وترديد اللوم والعتاب والتقريع بوهم تسميه النصيحة والحب والاهتمام فهذا خطأ لن يزيد صاحبك إلا صدوداً ويدخله في حيرة وتردد وربما في النظر للحياة بمنظار ضيق مظلم، والنتيجة هي أنك لم تثبت حبك له واهتمامك به ذرة واحدة بل اعتديت على شخصيته وجرحت ثقته بنفسه وأذهبت رغبته في مجالستك ثانية. دع جل ما تريد قوله لعقل وتدبر من تنصحه. لا تتحدث كأن حياته قائمة على طول كلامك وانها بدونك ستنتهي، لا تجرده من نضوجه وإرادته وقدرته وتناقض الحب والاهتمام الذي تظن أنك تكنه له. اتركه يتكلم ويعبر وافهمه، ولا يكن ذلك أمام ثالث. تذكر قبل ان تذكر غيرك ان سيد الناس عليه الصلاة والسلام قال لمن أكثروا في لوم رجل أذنب: لا تعينوا عليه الشيطان. كلامك ليس كله خفيفا على من يسمعه مهما كنت وكان، وقد تتمادى الى حد أن تتلذذ بما تقوله لغيرك كأنك ترضي نفسك بدلا من أن تساعده حقا، وقد يدخلك العجب بما تقول لا بنتيجته في غيرك وهذا من أشد البلاء. ان أردت لغيرك احترام نفسه والحياة حقا فابدأ انت باحترامه. فارس محمد عمر - المدينة المنورة