تواجه السجينات اليمنيات داخل السجن معاناة كبيرة وأسوأ أنواع الحرمان والتعذيب والقهر في وقت يجب أن تكون فيه السجون مراكز إصلاح وإعادة تأهيل من شأنها أن تهيئ السجينات للانخراط في المجتمع بعد إطلاق سراحهن.. وعند خروجهن يواجهن صعوبات اكبر ،فهن أولاً نزيلات القضبان ،وبعد الخروج يحملن عبئآً كونهن متخرجات من السجون على أرض واقع سجون النساء. وفي اليمن تحديدًا، لم يكن بالسهولة المتصورة، إذ كشف التوغل وراء الأبواب المغلقة ليس عن رغبة نزيلات السجون بالخروج إلى عالم الحرية بأسرع وقت ممكن أو الحلم بعفوٍ عام أو خاص، يقصر مدة الحكم ،ان وجد بل وهنا المفارقة الصاعقة : الخوف من عالم الحرية! خوفٌ يرقى إلى مرتبة الرهاب مثل الخوف من الأماكن الشاهقة أو الرعب من الظلام! هل يمكن ان يصدِق أحد أن هناك من يخشى الحرية؟ - والجواب هو لا... إذا كان هذا "الأحد" ذكراً بالغاً وبالتحديد ابن مجتمع عربي! ولكن حقيقة ما تعانيه الغالبية العظمى من السجينات الإناث تقول نعم. فقضبان السجن أرحم من قضبان المجتمع، فأي عقاب أسوأ وأقسى من هذا ؟ خطواتهن نحو الحرية مثقلة , تمثل بداية لمشور معاناة جديدة أبطالها الأهل والمجتمع. والكثيرات منهن يتمنين العودة إلى الزنازين لأنّها "أرحم" ، فيما تحارب أُخريات ويعملن لبدء حياة جديدة و«نظيفة» رغم كل الذكريات الموجعة. طغيان العقلية الذكورية من أسباب دخول السجن!! عن أسباب دخولهن السجن قالت دراسة حديثة أجريت في محافظة الحديدة: أن قضاياهن التي بسببها أدخلتهن السجن تلخصت الإجابات بتسلط الأسرة وطغيان العقلية الذكورية على حياتهن، حيث أفادت إحدى السجينات أن أخاها أدانها في قضية آداب وأدخلها السجن لغرض حرمانها من الميراث وأخرى تعرضت للاغتصاب من قبل عمها و(83%)من السجينات هربن من البيت بسب عنف الزوج أو تعنت الأسرة وإجبارهن على الزواج قسراً فيقررن الهروب مع أصدقائهن، وحالة سرقة (3%)و( 23) حالات قتل و(3%) تعاطي المخدرات. ان وضع السجينات اليمنيات المتردي هو جزء من وضع المرأة اليمنية بصفة عامة التي تعاني من الأمية والفقر وضيق الأحوال المعيشية، ونظرة المجتمع للمرأة التي تتهم في أي قضية كانت وتعتبرها عائلتها مذنبة قبل صدورالحكم القضائي بحقها، ونادرًا ما تقوم الأسرة بتوكيل محامٍ للدفاع عنها فضلاً عن قيام الكثير من العائلات بطرد المرأة السجينة وتعتبرها مجرمة للأبد والأدهى عندما تقضي فترة عقوبة طويلة المدى تخمد أنفاسها وتنتظر شبح الموت المطل من خلف القضبان. ن , ع قالت : «ان السجن أهون من سجن بيت أهلي الذي عشت فيه قبل ارتكابي جريمة آداب، فقد كان الدافع الحقيقي لأن أفعل ما فعلت، والسجن أرحم بكثير من عودتي، فقد وجدت فيه أماناً لم أشعر به من قبل». فاطمة نزيلة السجن المركزي في صنعاء متهمة بالمشاركة في قتل زوجها. صدر ضدها حكم من المحكمة الابتدائية بالسجن عشر سنوات. لم يكن معها محامٍ في المحكمة الابتدائية وفي محكمة الاستئناف تطوع المحامي عبد العزيز السماوي بتقديم عون قانوني مجاني لها. وأكدت لنا فاطمة ان أهلها تخلوا عنها منذ لحظة القبض عليها. لا تدري إلى أين ستذهب بعد الخروج. مريم- 23 عاماً متزوجة وأم لطفل– بالسجن المركزي تقول : إن حالتنا المادية متدهورة بشكل كبير. فالأوضاع كل يوم أسوأ من ذي قبل موضحة أنه في يوم من الأيام بلغت حاجتنا عنان السماء وصرنا في ذل الطلب والمسألة من الناس ولكن دون جدوى. فالناس لاترحم ولا تعطي من يسألها ولا حتى تغفر لمن يخطئ، فلم أجد ما يسد حاجتي وحاجة عائلتي إلا السرقة وإن كانت بمبالغ زهيدة إلا أنها حطمت كل معنى جميل كنا نحلم بأنه ينتظرنا... وتضيف ودموع الألم والندم تخنقها : لم أتوقع لنفسي هذه النهاية المأساوية...بضعة آلاف دمرت حياتي الأسرية كلها وأردتني وحيدة لا أهل ولا جيران ولم يعد أحد ينظر إلي بعين العطف والشفقة، نعم قد سرقت يوماً ولكنني دفعت الثمن غالياً، فمهما يكن نحن بشر كبقية البشر فلماذا يعاملوننا بهذه القسوة المفرطة والأنانية البالغة وكل الناس خطاؤون وخير الخطائين التوابون. فيما احدى السجينات تقول: بأن في السجن نساء بتهم باطلة وأخريات لم يكلف القاضي نفسه النظر إلى القضية والحكم بشكل قاسٍ عليها لأنها الطرف الأضعف ولأن الجميع يتخلى عنها وأخريات لهن سنوات يفضلن البقاء في السجن ولا ظلم المجتمع الذي يخنقها كل لحظة. سجينات .. والحقوق مهدورة أستاذ علم الاجتماع عبد الحكيم أحمد الشرجبي:كشفت الدراسة التي أعدها الدكتور المساعد بجامعة صنعاء حول أوضاع السجينات في الجمهورية اليمنية، النقاب عن محدودية الخدمات المتوفرة للسجينات مما يتعارض مع أبسط قواعد حقوق الإنسان، علاوة على مباني السجون ذاتها تحتاج إلى إعادة نظر في التصميم والتجهيزات. وأضافت الدراسة التي قُدمت للمجلس الأعلى لشئون المرأة أخصائيين اجتماعيين ونفسيين لإعادة تأهيل النساء لإدماجهن في المجتمع بعد خروجهن مشيرة إلى وجود عدد من الخروقات القانونية مثل طول فترات التحقيق معهن، وبقائهن لفترات طويلة دون محاكمة وإهمال في تطبيق الأحكام الصادرة ضد السجينات أو إعطائهن حقوقهن، وخاصة عندما يحكم ببراءتهن وتنتهي فترة العقوبة، وتظل السجينة داخل السجن مما يؤدي إلى شعورهن برغبة حقيقية في الانتقام من المجتمع والدولة بسبب الإهمال سواءً في تطبيق القوانين أوفي عدم وجود سياسات وبرامج لإعادة استيعابهن في مؤسسات خاصة لإعادة إدماجهن. منظمات المجتمع من بين المنظمات التي تقوم بأدوار لتخفيف معاناة السجينات، منظمة «هود». ويقول المحامي خالد الآنسي الذي أورد عدداً من الروايات عن معاناة السجينات مستخلصة من نتائج دراسات ميدانية أعدتها منظمته. وقال: ان السجينة تتعرض لعنف معنوي كبير باعتبار ان ثقافة القائمين على السجون هي نفسها ثقافة المجتمع. فهم ينظرون إلى المرأة التي تدخل السجن على إنها ارتكبت خطيئة كبرى بغض النظر عن الظروف والملابسات التي أدت إلى دخولها السجن. «كما ان دخول المرأة السجن يعد بمثابة شهادة وفاة لها لأن أهلها يشطبون اسمها من قائمة العائلة كأنها لم تكن واحدة منهم». وأضاف الآنسي: ان المرأة عندما تُسجن بتهمة أخلاقية مثل الخلوة أو الاشتباه فإن أسوار السجن تكون أكثر أماناً لها من خارجه لأن أهلها يريدون قتلها. والأسرة الأكثر تسامحاً هي الأسرة التي تنسى ابنتها ولا تسعى لقتلها. ولفت إلى ان أخطر معاناة تتعرض لها السجينة تكون بعد خروجها من السجن حيث تواجه تخلي الأهل عنها وتتلقى نظرة ازدرائية من بقية المجتمع بحيث لايمكنها من الاندماج فيه ولا يتقبلها أهلها، وتكون كل آفاق الحياة الكريمة مسدودة بوجهها، فلا تجد أمامها درباً مفتوحاً إلا درب الخطيئة، فتمضي فيها مجبرة. ثم تعود إلى السجن اكثر من مرة واذا كانت قد دخلت السجن في المرة الأولى وهي بريئة لمجرد الاشتباه فإنها تدخل السجن مرة ثانية وثالثة وقد أصبحت محترفة للجريمة والرذيلة. أما عن دور منظمات المجتمع المدني فيفيد الآنسي ان "غالبية المنظمات ما زالت تقدم خطاباً نخبوياً تنظيرياً في مجال حقوق الإنسان لا يستهدف عامة الناس بقدرمايستهدف نخبة حقوقية «بينما القضايا الميدانية لا تجد لها مهتمين للأسف". أما نجيبة سيف، مشرفة سجن النساء فتؤكد: ان المنظمات لا تقدم أي عون للسجينات داخل السجن «ولا نجد من هذه المنظمات سوى المزايدة باسم السجينات". وكشفت دراسة اجتماعية أخرى ، حول أوضاع النساء في السجون اليمنية ان 37 بالمائة من السجينات اليمنيات تعرضن للعنف أثناء فترة احتجازهن ومحاكمتهن، وتراوحت أشكال العنف تلك بين الضرب والحرق بأعقاب السجاير وتوجيه الإهانات والتهديد. العنف أما رئيسة مركز تنمية المرأة ومناهضة العنف القاضية آمال الدبعي فترى: أن السجينات هن النساء الأكثر تعرضاً للعنف بسبب القمع الذي يواجهنه داخل السجون أو داخل الأسرة نفسها أو في المجتمع بعد خروجهن من السجن. كما ان موقف الأسرة من المرأة التي تدخل السجن هو عنف بحد ذاته، فالأهل يتحدد موقفهم بين خيارين : إما ان يقتلوا ابنتهم التي دخلت السجن وإما ان يتخلوا عنها وفي كلا الحالتين تكون السجينة فريسة للعنف. وعن دور مركزها كمنظمة حقوقية تقول :«نحاول درس الأوضاع النفسية لكل سجينة ونعمل على تقديم العون القانوني لبعض السجينات المعوزات. كما ان مركز تنمية المرأة ينسق بين بعض السجينات وأسرهن لكي يتقبلوهن بعد خروجهن من السجن. وللأسف قلما نجد أهلاً يتفهمون ويقبلون التصالح مع ابنتهم». تهديد وظلم أما المحامي عبد الرحمن برمان، رئيس منظمة «سجينات» فيقول: ان معاناة السجينة كبيرة وتبدأ من لحظة القبض عليها، إذ يحصل ذلك بقسوة دون ضمان أي حق من حقوقها كمتهمة. وفي مراحل التحقيق الأولي لدى الجهات الأمنية تتعرض المتهمة لمعاملة غير إنسانية وغير لائقة من تهديد وضرب وتعذيب، وأحياناً تتعرض للتحرش الجنسي. ويضيف: «ان المرأة المتهمة تعامل في مختلف مراحل التقاضي وأمام مختلف الجهات على إنها مجرمة قبل صدور حكم قضائي يدينها». ويضرب برمان عدداً من الأمثلة على سوء تعامل القضاة مع السجينات منها : قاض يحكم على امرأة متهمة بالقتل بالإعدام قصاصاً ويقول في منطوق الحكم «إنها قتلت مسلماً معصوم الدم مجهول الهوية». وفي هذه الحالة يكون الحكم باطلاً قانوناً، لأن الركن الأساسي من أركان الحكم بالإعدام يتوقف على مطالبة أولياء دم المجني عليه وفي هذه الحالة منطوق الحكم يؤكد ان المجني عليه مجهول الهوية، إي إن أولياء دمه غير معلومين ومع ذلك اصدر القاضي حكمه على المتهمة بالإعدام. قاضٍ آخر يدين امرأة في الحكم الابتدائي بتهمة السرقة بناء على معلومات الجهات الأمنية مع إنها أثبتت للقاضي أنها تعرضت للضرب حتى أجهضت وكسرت احدى يديها. وقد دان القاضي في منطوق الحكم رجال الأمن الذين حققوا مع المتهمة وطلب إحضارهم للمحكمة، لكن القائمين على الأجهزة الأمنية رفضوا، ومع ذلك فقد اصدر القاضي حكماً يدين المرأة. وذكّر برمان بقضية أثارتها منظمته العام الماضي حين فضحت عملية متاجرة بالأطفال الرضع الذين تضعهم السجينات بواسطة سماسرة يستغلون الوضع المالي المزري لهؤلاء النسوة.