هندريك مواطن ألماني، ينتمي إلى الجزء الشرقي من بلاده، هذا الجزء ما زال يحتفظ بشيء من أصالته وبساطته، لم ينجرف بكامله نحو المادية الغربية، ولذلك ترى بعض أبنائه يحتفظون بالشوق والحنين إلى المفاهيم الأسرية والاجتماعية التي تسود مجتمعنا، هندريك عاش في بلادنا عدة سنوات وتجوّل في أرجاء المملكة وعايش أبناءها، واطّلع على تقاليدهم وعاداتهم، وعندما حان وقت رحيله إلى وطنه كتب إلى أصدقائه السعوديين رسالة باللغة العربية عنوانها "أصدقائي السعوديين الأعزاء" جاء فيها: "كما تعرفون جيدًا، فسوف أغادر السّعودية بحلول نهاية شهر سبتمبر. وقد كانت حياتي هنا في هذه المملكة الرّائعة مفعمة بالمشاعر، ومليئة بالذّكريات التي لا تُنسى في كنف أشخاص مرموقين، حتى إنّي آليت على نفسي ألا أغادر المملكة قبل أن أعبّر لكم عن بعض كلمات التّقدير والعرفان بالجميل، وأنقل لكم بعض الأفكار الشخصية التي أحب أن نتشارك فيها معًا. يا له من بلد جميل ينساب أمام عيوني.. فلم أكن أعرف أنّ هناك أنواعًا مختلفة من الصّحارى، كلّ واحدة تختال بجَمالها الخاصّ، وهناك الجَمال الحجري الذي تكسو البعض منه كثبان رملية ورجائي منكم، كونوا حذرين، وكونوا فخورين بهذا الجمال، احموا بلادكم كلّما كان ذلك ممكنًا، لا تقعوا في غرام الفرص السّياحية، وتدّمروا بيئتكم الفريدة. وإذا حدث ذلك، فليكن بطريقة ذكية وانتقائية وسهلة. ولكن.. ماذا يعني كلّ هذا من دون الشّعب السّعودي؟ لقد جعلتموها بالنّسبة لي تجربة لا تُنسى! أجد نفسي مفعمًا بالعاطفة تجاه شعبٍ يتباهى بتقاليده التي تختلف بالطّبع ما بين جنوبه وشرقه وغربه وبَدْوه. لقد دعوتموني إلى حفلات الزّفاف المختلفة، وجعلتموني أشعر كسعودي دعوتموني، والأسرة إلى منازلكم الخاصّة إنّ انفتاحكم، وكرم ضيافتكم أعطياني الفرصة لكي أفهم وأتعلّم منكم أكثر. ومفهوم كلمة "الأسرة" هو مفهوم رائع أيضًا. فالمجتمعات الحديثة فقدت مفهوم الأسرة. فعندما يبلغ الأطفال الثّامنة عشرة من العمر يميلون إلى ترك بيت الأسرة لكي يعيشوا حياة مستقلة، حياة العُزّاب، يركزون فقط على العمل أو المهنة أو لا يفعلون شيئًا. ومن النّادر أن تجد أبًا لديه خمسة أطفال أو أكثر، والحياة في بيت واحد مع أسرة أخيك، أو مع أجدادك هي كمن يراوده حلم. ووجود مثل هذه العلاقات الأسرية القوية بين العائلة بكاملها هو جزء من المجتمع التقليدي المفقود. أشكركم على أنّكم أعدتم لي هذه القيم، ولتحافظوا على بقائها. وإيمان الشّعب السّعودي بالله إيمان صادق جدّاً وراسخ. فعندما تعمقنا في الصّحراء بالسّيارة لنحو 500 ميل، وحان وقت الصّلاة أوقفتم السّيارة لتؤدوا الصّلاة. لم يكن هناك شهود، فقط أنتم وأنا. ولكنّ كم فعلتم ذلك، من دون شكّ، من أجل الله ومن أجلكم. ولماذا أحكي لكم هذا؟ لأنّ هناك الكثيرين من النّاس يتظاهرون بإيمانهم بالله. وهم لا يفعلون ذلك إلاَّ في المناسبات الرّسمية عندما يكون هناك شهود، فليس هناك إيمان عميق في قلوبهم، وليس هناك أمانة. تنتابني أحاسيس ومشاعر مرهفة لما قدمتموه لي خلال السنّوات الأخيرة، وأحبّ أن أقول لكم.. شكرًا جزيلاً.. شكرًا على كلّ شيء". هذه كلمات من صديق، وهي ما يمكن أن يتكرر مع ملايين الأصدقاء إن نحن أحسنا معاملتهم وأكرمنا وفادتهم. للتواصل: [email protected] فاكس: 02/6901502 [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (19) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain