قبل سنوات قام الرئيس نلسون مانديلا، رئيس جنوب إفريقيا، بزيارة رسمية إلى المملكة العربية السعودية، وأقام له الملك فهد بن عبد العزيز يرحمه الله مأدبة عشاء تكريماً له دعيت إليها باعتباري عضواً في مجلس الشورى آنذاك، لاحظت ابنتي لجين، وقد كانت وقتها في الثامنة من عمرها، حماسي لحضور تلك المأدبة فسألتني عن الضيف ومن يكون فقصصت عليها شيئاً من سيرة مانديلا ونضاله وقيمه وما يمثله من رمز للحرية لكل شعوب العالم، أطرقت لجين لبرهة ثم قالت ببراءة الأطفال: بابا.. أنا أحب مانديلا! وقفت في الصف للسلام على الضيف وعندما حان دوري بادرت الرئيس مرحباً به في المملكة وأضفت إن ابنتي ذات الثمانية أعوام تحبك!! ضحك الرئيس ضحكة عريضة وقال لي أبلغها أنني أحبها أيضاً.. قلت للجين في اليوم التالي إن الرئيس مانديلا قد طلب مني أن أبلغك أنه يحبك.. طارت الصغيرة من الفرح وذهبت بعيداً ثم عادت ومعها رسالة قد كتبتها بخط يدها تعبر فيها للرئيس مانديلا عن فرحتها بأنه قد خصها برسالة محبة.. أخذت الرسالة كما صاغتها لجين وأرسلتها إلى سفير جنوب إفريقيا في الرياض طالباً منه إيصالها إلى الرئيس، وبعد أسابيع قليلة تلقت لجين رسالة شكر من الديوان الرئاسي مرفقة بصورة شخصية عليها إهداء وتوقيع من الرئيس مانديلا.. قبل أيام كانت لجين أول من أخبرني بوفاة مانديلا برسالة قالت فيها: لقد فقد العالم هذا المساء رجلاً عظيماً كان عنواناً للشجاعة!! مثل هذه اللمسات الصغيرة هي التي تصنع العظماء، ولقد قرأت في تغريدة للأخ الزميل الدكتور محمد القنيبط أن مانديلا قد توقف عن إلقاء خطاب له في الغرفة التجارية في الرياض للحظات ليقول "شكراً" للعامل البسيط الذي وضع أمامه فنجاناً من الشاي.. كان مانديلا يستمد عظمته من أنه واحد من البسطاء.. لم يفقد هويته الشعبية يوماً ما، ومع كثرة من عاشر من الملوك والرؤساء والزعماء إلا أن الجماهير المتدفقة التي خرجت عفوياً في شوارع سويتو وكل القرى في جنوب إفريقيا لتنعيه وتتغنى بحياته وإنجازاته كانت هذه الجماهير تحتضنه باعتباره ابناً وفياً لها، وقد يسير في جنازته في الأسبوع القادم عشرات الزعماء ولكن جنازته الحقيقية سوف تكون في قريته وسوف يزفه فيها الملايين من أبناء شعبه وتحفه البلايين من قلوب البشر الذين أحبوه في مختلف أصقاع العالم. لقد أحب مانديلا الحرية والعدالة والتسامح والإنسانية، فبادله الناس حباً بحب، ولقد أحب مانديلا المملكة العربية السعودية وأمضى فيها إجازة شخصية مدتها أسبوعان بعد أن أنهى مهامه الرئاسية، ولذلك لم أستغرب الحزن العميق الذي أحاط بكل من سمع بنبأ وفاته، وبرحيل مانديلا يكون التاريخ المعاصر قد أغلق صفحة عظماء التحرير والاستقلال الوطني. للتواصل : [email protected] [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (19) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain