د. محمد سالم الغامدي من يتتبع تاريخ وحضارة المجتمع العربي قبل الإسلام وبعده يستطيع القول إنه قبل الإسلام قد عاش حالة ممتدة من الفوضى الجامحة عبر مراحله الزمنية كانت تتجاذبه فيها حالات التناحر والتباغض والتنافر متمثلة في التعصب للقبلية أو العائلة حيث كانت الأرواح تزهق لأتفه الأسباب كخلاف على ماء أو مرعى أو طلب ثار أو قتل ناقة أوشاة أونحو ذلك واستدامت تلك الحالة التناحرية التشرذمية دون أدنى منتج حضاري عدا مجال الشعر الذي أجادوه ولازالوا يجيدونه كونهم - أي العرب -ظاهرة صوتية واستمرت تلك الحالة المزرية جداً حتى جاءت البعثة النبوية الشريفة فكانت كالزلزال الذي هز أركان ذلك المجتمع وأبان عوراته فكانت المقاومة الشديدة لها كونها ستعيد بناء ذلك الفكر المتجمد بما يتناسب وحالة المجتمعات التي حوله حيث كان نزول الوحي من الله سبحانه وتعالى خلال تلك الفترة الى نبيه الذي اصطفاه وهيأه ليكون المؤسس لذلك الأنموذج الاجتماعي الجديد الذي يسمى بالمجتمع الإسلامي وهو الذي اختاره الله سبحانه وتعالى ليكون البديل لذلك المجتمع المتناحر المتشرذم فكانت الأوامر الإلهية ترد الى المصطفى لحظة بلحظة وخطوة بخطوة لاستكمال تكوين ذلك المجتمع الرباني الجديد واستمر ذلك البناء حتى استكملت قواعده وأركانه قبل وفاته عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم كما بينته الآية الكريمة في قوله تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) ثم كانت الوفاة النبوية بعد أن اكتمل ذلك البناء الرباني للاقتداء به على مدى الأزمان القادمة لكن الذي حدث انه بعد فترة وجيزة بدأت تحدث الانتكاسة شيئاً فشيئاً باتجاه المجتمع الجاهلي مرة أخرى ، ولكن بأدوات مختلفة في طبيعة المصادر المستمدة منها فبعد أن كانت في العصر الجاهلي تستمد من العادات والتقاليد والأعراف أصبحت في العصر الإسلامي تستمد من كتاب الله وسنة المصطفى وهذا أمر جميل في ظاهره لكن الخطأ العظيم الذي ارتكب من قبل الكثير ولايزال يرتكب حتى يومنا هذا وهو الذي تحول بمسار المجتمع الإسلامي الجديد الى منعرجات وعرة ومسارب مظلمة أن الكثير من المشرعين قد استخدموا تلك القيم والتعاليم والمبادئ السماوية كشعارات خاوية المضمون توصلهم الى أهداف خاصة لجمع مال او الوصول الى منصب أونشر مذهب أو دعم فئة أو حزب وهنا بدأت حالة التشرذم والتناحر والتنافر تأخذ منحنيات جديدة تختلف قي شكلها الظاهري عن المجتمع الجاهلي ، لكنها تتفق والنتيجة التي آلت اليها .ولعل مايعيشه المسلمون اليوم من تلك الانقسامات والصراعات يبين لنا تلك النتيجة المخزية بمختلف صورها وأشكالها حيث تحول المجتمع العربي الى عدد كبير من الفصائل والطوائف والأحزاب والمذاهب كل واحد منها يرى انه حامل لواء الحق وغيره الباطل وأنه حامل لواء الشريعة وغيره التابع أما الأكثر إيلاماً في تلك الحالة فهو ذلك الحجم الكبير من الفصائل والأحزاب والمذاهب التي ترتدي الثوب الإسلامي وتتجمل به وهي ابعد ما تكون عن ذلك وهنا يكمن الخطر العظيم كون النخر يدب في جذع العقيدة فكانت النتيجة المؤسفة أن تشوهت صورة ذلك الأنموذج الرباني العظيم وتنامت حالة الصراعات المذهبية والطائفية والحزبية وتنامت تبعاً لها حالة التخلف الحضاري والثقافي حتى اصبح ذلك الحال متمثلاً في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ )وقوله تعالى (كُلّ حِزْب بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) والله من وراء القصد. للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (43) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain المزيد من الصور :