نشرت مجلة "ناشيونال اينترست" الامريكية تقريرا بقلم "رضا صنعتي" المحلل السياسي في مركز دراسات الشرق الاوسط اشار فيه الى ان هناك امورا ثابتة يجب اعادة النظر بشأنها، لانها الخطوة الوحيدة التي يمكن بواسطتها تقديم صورة واضحة عن عودة التيار الاصلاحي الى الحياة السياسية وفهم كيفية بلور السياسية الخارجية في هذا البلد. واشنطن (فارس) واشار تقرير المجلة الى بعض الامور التي من شأنها تطرأ خلال الحكومة الايرانية الجديدة، منها: ** بعض الحقائق الاقليمية لم تتغير بخصوص ايران وبقيت ثابتة - الاولويات الاساسية لايران ويرى التقرير ان لكل بلد مبادئه الخاصة به على صعيد السياسة الخارجية في اطار النظام الدولي، تبقى ثابتة ولن تتغير بتغيير الحكومات. وفي خصوص ايران فان بعض الحقائق الاقليمية بقيت ثابتة بشأنها سواء خلال حقبة الهيمنة الاوروبية او بعد انهيار الامبراطورية اعثمانية او حقبة سلطة الاتحاد السوفيتي والولاياتالمتحدة على المنطقة اوحقبة الهيمنة الاحادية لامريكا على العالم والتطورات الراهنة في العالم العربي. ومن اهم هذه العناصر يمكن الاشارة الى محاصرة ايران من قبل القوات الاجنبية ووجود دول جديدة وغير مستقرة بالمنطقة وصلت الى السلطة بدعم من القوى الخارجية، تسيء الظن بايران، عدم استقرار الحدود الايرانية بفعل تنافس القوى الخارجية في دول الجوار واعتماد الاقتصاد العالمي على نفط الشرق الاوسط الذي يلعب دورا كبيرا في خفض وتشديد الظروف آنفة الذكر. **فشل النظام السائد بالشرق الاوسط في مواجهة موقف مستقل من لاعب اقليمي وفي هذا الاطار يوضح التقرير ان جميع الحكومات التي سادت ايران خلال القرن الماضي كان لها اولويات خاصة تعد رمزا للسياسة الخارجية وهي عبارة عن: الدفاع عن الاراضي الايرانية، تعزيز قدراتها في المنطقة، تحقيق النمو الاقتصادي، ايجاد حلفاء اقليميين ودوليين والسعي للنهوض بمستوى البلاد من مرحلة الدول النامية الى الصناعية. وقد بذلت ايران مساعي حثيثة ولفترة طويلة للتوصل الى الاستقلالية في اتخاذ القرارات بغية تحقيق هذه التطلعات. واللغز الاساسي في السياسة الخارجية الايرانية يكمن في هذا المجال حيث ان النظام الذي يسود الشرق الاوسط فشل في مواجهة المواقف المستقلة لاي لاعب اقليمي مستقل نظرا الى ان السياسة الاقليمية لهذه المنطقة توضع من قبل القوى الاجنبية. **ايران تسعى لتعزيز علاقاتها مع القوى العظمى لحل مشاكلها الاقليمية - الاستراتيجيات المختلفة ويعتقد صاحب التقرير ان ايران وبغية حل مشاكلها الاقتصادية بدات تعمل على تحسين العلاقات مع القوى العظمى التي تهيمن على المؤسسات والمنظمات الدولية لتسجل حضورها في اسواق التجارة والمال العالمية. وكانت هذه الجهود مستمرة على مر تاريخ الحكومات انطلاقا من الحكومة البهلوية ومرورا بالثورة الاسلامية وفترة اعمادة اعمار البلاد وانتهاء بفوز الاصلاحيين في الانتخابات الرئاسية. **ايران اثبتت جدارتها في صيانة استقلالها ويشير صنعتي الى ان كل حقبة سياسية في ايران نجحت تارة وفشلت تارة اخرى في ترجمة الاولويات المنشودة. وعلى سبيل المثال، فان الشاه كان افضل من والده في تعزيز العلاقات مع القوى العظمى. في حين ان الجمهورية الاسلامية اثبتت جدارتها في مجال صيانة استقلالها واعتماد السياسات المبنية على الاكتفاء الذاتي، ولكنها لم تنجح في التوصل الى فهم مشترك مع القوى الدولية سيما امريكا. نظرة عابرة على تاريخ ايران تساعدنا على فهم ان الجيل الاول من الاصلاحيين نجح الى حد ما في ازالة التوتر مع القوى العظمى باستثناء واشنطن. ولهذا السبب علينا تحليل عودة الاصلاحيين الى السلطة بزعامة روحاني خلال العام الجاري وتأثيراتها المحتملة على السياسة الخارجية. **الرئيس الجديد سينفذ نفس السياسة الخارجية المعتادة - الاهداف المعتادة، الظروف الجديدة ويقول التقرير ان الرئيس الايراني الجديد ايضا وكأسلافه هو مجرد مسؤول عن تنفيذ الساسات الخارجية المعتادة، وجل ما سيفعل انه سيستخدمها في الظروف الداخلية والجيوسياسية الخاصة بها واضاف: ان الحكومة الجديدة التي تعد جزءا من حكومة خاتمي الاصلاحية وشهدت انشقاقات في عهد احمدي نجاد ايضا تواجه تحديات مهمة لم تواجهها الحكومات السابقة، وفي نفس الوقت ستنعم بمزايا خاصة بها لم تنعم بها الحكومات السابقة. ** التحديات الاساسية والمهمة هي الاقتصاد والدبلوماسية ويرى التقرير ان الاقتصاد والدبلوماسية هما اكثر التحديات الحاحا التي تواجهها الحكومة الجديدة ويضيف: بحسب الوثاق التي نشرتها وسائلا الاعلام الايرانية فان اداء الرئيس احمدي نجاد على هذين الصعيدين كان من اهم عناصر فشل المبدئيين. وهناك تكهنات بان يتم استخدام شخصيات تكنوقراط في هدين المجالين. فعلى الصعيد الاقتصادي ستركز الحكومة الجديدة على اهداف رئيسة منها ترشيد الدعوم، الاستثمارات في قطاعي النفط والغاز، الاستثمارات في مجال البنى التحتية للشحن والنقل، التعاون مع المراكز الانتاجية الوطنية العملاقة والقطاع الزراعي وانتهاج سياسة فاعلة لاحتواء التضخم. **التأقلم مع الحظر سيصبح اصعب لايران ورغم ان الحكومة الجديدة يمكنها ان تحقق تقدما في ادارة الملف الاقتصادي للبلاد، الا ان التأقلم مع الحظر المفروض على ايران سيصبح اصعب من السابق. لان ولاية الرئيس احمدي نجاد شهدت تشديد الحظر على ايران ما ادى الى صعوبات في التعاملات المالية وعمليات التصدير والتواصل مع المؤسسات المالية العالمية. وفي الحقيقة ان الحظر المالي سيشكل اهم التحديات التي تواجهها الحكومة الجديدة. ولايمكن مقارنة التحدي الاقتصادي الذي وضعه الرئيس احمدي نجاد امام روحاني سوى بالمكشلة الدبلوماسية التي تواجهها ايران على الصعيدين الاقليمي والدولي بحسب التقرير. اما الازمة الاقليمية المهمة التي تواجهها ايران في الوقت الراهن فهي الازمة السورية حيث ان الحرب الاهلية ادت الى تاجيج الصراع الطائفي الى حد خطير في هذا البلد، واداء الرئيس احمد نجاد خلال الاعوام السابقة قلل من حظوظ التوصل الى حل سياسي للازمة السورية على اساس التعاون الاقليمي. **تشدد الحظر، السياسة الوحيدة المعتمدة حيال ايران ويشير المحلل السياسي في تقريره الى ان الظروف الراهنة في خصوص المشكلة الاخرى التي تواجهها ايران اي المسالة النووية هي اكثر تحديا لروحاني الذي كان له دور فيها حين تفاوض مع مجموعةEU3 (فرنسا، المانيا، بريطانيا). فالوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تعد كما في السابق، لان يوكيو امانو يكن احتراما واضحا لمواقف امريكا ودول EU3 اتخذت مواقف اكثر عدائية من السابق حيال ايران، وبفعل المفاوضات النووية مع امريكا فان تشديد الحظر هي السياسة الوحيدة المعتمدة حيال ايران. ** سينعم روحاني بمزايا لم تحظ بها الحكومات السابقة - مزايا روحاني ورغم جميع ما قيل فان حكومة روحاني ستحظى بمزايا وامتيازات لم تحظ بها أيا من الحكومات السابقة. الميزة الاولى تعود الى تركيبة الامن الاقليمي. فخلافا لحكومة خاتمي، حيث كان الجيران في الغرب والشرق من اعداء ايران، وخلافا لحكومة احمدي نجاد التي تسلمت الحكم في حين كان العراق وافغانستان يرزحان تحت نير الاحتلال الامريكي، فان حكومة روحاني ستستلم الحكم في ظروف مختلفة تماما. فاليوم البلدان الجاران لديهما علاقات ودية مع ايران والتواجد الامريكي في المنطقة الى زوال. ** احداث المنطقة كلفت الدول المنافسة لايان تكلفة جيوستراتيجية مهمة ويرى التقرير ان تبعات الربيع العربي في سوريا قد تكون لعبت دورا في تعقيد الاستراتيجية الاقليمية الايرانية، ولكنها في الوقت نفسه كبدت الدول المنافسة لايران ثمنا باهظا على الصعيدين الداخلي والجيوستراتيجي. ففي تركيا باتت الغالبية تعارض سياسات حزب العدالة والتنمية - احد الداعمين الرئيسين للمتمردين السوريين - حيال سوريا. اضف الى ذلك ان الاحتجاجات الواسعة ضد حزب العدالة والتنمية وقمع المتظاهرين من قبل الحكومة، فضلا عن تاثيرها الكبيرعلى القطاع الاقتصادي، شوهت صورة "الانموذج التركي" الدي كان يروج له في العالم العربي. ** تطورات العالم العربي تهدد الكيان الصهيوني ايضا ويضيف المقال ان الكيان الصهيوني ايضا لم يكن بمنأى عن مخاطر التطورات التي شهدها العالم العربي. فخلافا للكيان الصهيوني الذي يعيش بين العرب وهو ما يشكل نقطة ضعف له حيث ان عدم استقرار الحدود مع سوريا ولبنان ومصر والاردن ستعرضه للخطر، تقع ايران على حدود العالم العربي، ونظرا الى تراجع المتمردين في سوريا، فان منافسة الدول المطلة على الخليج الفارسي لا تثير هواجسها بشكل كبير، لانه وبدون تدخل امريكا والاتحاد الاوروبي لصالح المتمردين لايمكن التوقع بان يستمروا طويلا في طريقهم هذا. واذا اضفنا الى الامور السابقة موضوعات انسحاب امريكا من العراق وافغانستان والنظرة السلبية حيال اي تدخل عسكري والامن الذي يسود حدودها، سنكتشف بان امام حكومة فرصة بان تضع مخطاتها وفق رؤيتها الاستراتيجية وليس على اساس التكتيكات فقط. **الحكومة الجديدة تحظى برصيد شعبي لتنفيذ قراراتها المهمة وينوه التقرير الى ان الرئيس الجديد يحظى بمزايا داخلية ايضا مثل الرصيد الشعبي الذي يفوق الرصيد الذي كانت تحظى به جميع الحكومات السابقة. فروحاني المعروف بانه شخصية معتدلة نجح في تشكيل ائتلاف جديد من الكوادر خلال حملته الدعائية منهم تكنوقراط معتدلون واصلاحيون ومبدئيون واصلاحيون يتطلعون للتغيير. وقد كشفت الاحتفالات العفوية التي شهدتها ايران عشية الاعلان عن فوز روحاني، ان الحكومة الجديدة تحظى برصيد شعبي قوي لتنفيذ قراراتها المهمة. ** آفاق المفاوضات بين ايران و5+1 الظروف الجديدة سيكون لها تبعات اساسية على تنفيذ الكثير من اهداف السياسة الخارجية الايرانية، لاسيما المفاوضات المرتقبة مع مجموعة 5+1 حول البرنامج النووي الايراني. فان توصل الجانبان الى اتفاق - يتوقع ان يكون حول وقف مستوى التخصيب عند مستوى محدد واضفاء المزيد من الشفافية حول البرنامج النووي في مقابل الغاء او خفض الحظر المفروض من قبل الولاياتالمتحدة واوروبا (مثل البنك المركزي والحظر المالي) - فلن يبقى اي شك في قدرات حكومة روحاني. من جهة اخرى، فان لم يتمكن من التوصل الى اتفاق فان الحكومة الجديدة ستحظى بالدعم الداخلي والمناورة على اساس مبدا صيانة المصالح القومية. وبحسب التقرير فان غاية ما قد تقوم به ايران هو خروجها من معاهدة حظر الانتشار النووي. ** لا تغيير في الافاق المستقبلية لايران مازال الوقت مبكرا للتكهن حول ان حكومة روحاني هل ستنجح في ادارة السياسة الخارجية الايرانية على المدى البعيد ام لا. ولكن النجاح بالنسبة له وللاصلاحيين تتمثل في صيانة وتعزيز الاولويات الرئيسة للسياسة الخارجية الايرانية، مع تمهيد الارضية لازالة التوتر وتحسين العلاقات مع القوى العالمية العظمى (سيما واشنطن). ولذلك فان الخطوط العريضة للسياسة الايرانية هي كما في السابق، ولكن رد واشنطن ( وصياغة اي تغيير سياسي حيال ايران) ستكون حيوية ومصيرية لتحديد كيفية تطبيق السياسات الخارجية الايرانية.