أ. د. عبدالله مصطفى مهرجي وانفرطت حبات عقد اللؤلؤ الثلاثين واحدة تلو الأخرى، وتساقطت الحبات، على أملٍ بلقاء حميمي العام القادم بإذن الله تعالى، هذا رمضان قد ولّت أيامه سراعاً وانقضت لياليه خفافاً، وبعد أن كنّا نداعبه مرحّبين:- رمضان أهلاً، بتنا نرجوه متوسلين:- رمضان مهلاً. فيك يا رمضان عُمّرت المساجد، وانتظمت الصفوف في قيام وتراويح وتهجد، وخُتِم القرآن الكريم عدة مرات في هذا الشهر الفضيل، تزاور الأهل والأحبة، اتصل ما انقطع من صلات رحم، صفت النفوس وطابت الأرواح. حقاً إن رمضان موسوعة أخلاقية لتهذيب النفوس ورياضتها على أعمال البر وأفعال الخير واكتساب مكارم الأخلاق. منّ الله علينا بإضافته لنفسه عز وجل «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» وكفى بهذه الإضافة شرفاً كما شُرِّف البيت العتيق بإضافته إليه في قوله تعالي: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ البَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ). بفضلك يا الله جادت الأنفس في رمضان بفعل المعروف وكثرة الصدقات اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي عشره الأواخر التي نعيشها الآن الجد والتشمير في العبادة والطاعات بأنواعها «كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شدّ مئزره وأحيا الليل وأيقظ أهله» رواه البخاري. واليوم ولم يتبقَ على رحيل هذا الضيف العزيز الغالي إلا يومان أو ثلاثة، نسأل أنفسنا بكل صدق وشفافية: ماذا ترك رمضان في دواخل نفوسنا قبل أن يغادرنا إلى العام القادم، هل قويت ضمائرنا وثبتت أخلاقنا وروضت عزيمتنا وإرادتنا، هل تمكّنت منّا صلابة المسلم وأمانة المؤمن وعفة الكريم وخصال التقوى تحقيقاً لمراد المولى عز وجل: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). التقوى التي نأمل أن نكون قد أخذنا بها في رمضان الخير هي مفتاح كل خير، والتقوى عبادة وعلم وعمل بالقرآن الكريم، وهي استعلاء عن الدنايا والطواف حول الذات. هي استنارة في العقل ونور في البصيرة، وهي يقظة في الضمير وصحوة كبرى في الشعور والوجدان يقود إلى انضباط في السلوك وتجمّل في معاملة الناس في رمضان وما بعده. لعل رمضان علّمنا التسامح النبيل بين الاخوة والأحبة والصفح الجميل بين الأهل والأقارب والعدل بين الناس في أكمل أشكاله وأجمل صوره، والصيام حقاً منهجٌ للاعتدال والتوسط والاستقامة، وله أثره الفعّال في التوجيه والتربية والنفع، ولنسأل أنفسنا دائماً ماذا حملنا من سلوكيات رمضان لبقية أيام العام، ملاحظة للفطرة ومعالجة للطبيعة وحفظاً للتوازن، وفي كنفه الرحيب حلاوة اليسر، وبشرى التخفيف وهناء الرحمة والسماحة والعفة. وليس من شك بعد كل هذا، إنه وإن كان رمضان موسم الطاعات والغفران، بيد أن روحانية وعزيمة رمضان يجب أن تستمر معنا وقوداً للعمل الصالح والسلوك المهذب لبقية العام، في جميع أيامنا، نهارها وليلها، حرّها وبردها، ما كان فيها صحيحاً وما كان فيها سقيماً وعليلاً. فاصلة: اللهم ارزقنا إيماناً خالصاً، وأعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، واختم لنا رمضان بعفوك ورضوانك والعتق من نيرانك، واجعله شاهداً لنا لا شاهداً علينا، واجعل هداه يبقى معنا أبد الدهر، اللهم إن عظمت ذنوبي فإن عفوك أعظم. اللهم اجعل خاتمة هذا الشهر الكريم فرصة لنا للسلام والوئام، تسمو به النفوس وتعلو به الهمم، وتغسل به القلوب وتعلو الدعوات إلى ذي البر والمنن العظام. [email protected] [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (63) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain