لقد اجتهدت قنوات فضائية عديدة على تصدير ثقافة الفوضى بل وصناعة منتجات جديدة لتصرفات وعمليات فوضوية تحت مظلة حرية الإعلام والنقل الحي المباشر لما يحدث هنا وهناك، وفضح ما يحصل في بعض البلدان، ولكن الحقيقة الغائبة في هذا الموضوع تكمن في الكم الهائل لما يعرض عبر تلك القنوات والمشاهد التي يتم تكرار الواحد منها في كل نشرات أخبار القناة والموجز والتعليق على الحدث.....الخ. الأمر الذي يكرس لدى المشاهد أو المتلقي هذه الأعمال والتصرفات والأحداث وتتغذى ذاكرة وعقول الناشئة والصغار عليها، و ما ينقل على سبيل المثال في بعض القنوات لمناظر المظاهرات حيث تقسم الشاشة إلى أقسام بعدد ميادين المظاهرات ويتابع الجمهور حركة الكتل البشرية وهي تتحرك وبعض الأفراد وهم يهاجمون سيارات الأمن والجيش، وأفراد آخرون يقفزون الأسوار والحواجز ويلاحقون آخرين من مناصري هذا الفريق أو ذاك، وتعلو الأصوات والهتافات وترتفع الأعلام والرايات، وتجرى المقابلات مع العوام والمسؤولين وغير المسؤولين الذين يتحدثون بانفعالات عاطفية تهزّ قيم الوقار والاحترام للآخر المختلف معه، حتى لم يعد للكبير احترام، ولم يعد للقيم حماية، ولم تعد أذن ولا لسان لنصيحة الآخر الذي بدأ يدب في جسد الأمة ويتنقل من مكان إلى مكان، حيث تتأسس تقاليد وقيم اجتماعية جديدة تستمد شرعيتها المزيفة من واقع مختل ومن مجتمعات انفلتت من عقالها تطارد السراب في كل الاتجاهات، وتدمر ما حولها ثم أنفسها في لحظة استجابت فيها النفوس لرغبات كان يمكن تحقيقها بأساليب أخرى، والخوف الخوف من عدوى هذه الفوضى في التأثير على قيم المجتمعات المجاورة التي تراقب وتترقب وهي تشاهد بحسرة كل هذا الذي يحدث.