لا ادري سر غياب الحكمة اليمانية خارج أسوار صنعاء، وان شئنا الدقة فهي غائبة في كل ما يخص الجنوب تحديدا، فرغم التفاخر بحضور الحكمة اليمانية، بفعل المبادرة الدولية، فيما يخص ثورة شارع الستين الشمالي، إلا أن هناك من يهدد بقبائل ومليشيات مسلحة عندما يتعلق الأمر بالجنوب في صورة تبرز غياب الحكمة في مواجهة قضية وطن جنوبي ساطعة سطوع الشمس في رابعة النهار تحظى باعتراف محلي وإقليمي ودولي. خلال سنوات الحرب الباردة كان هناك تزييف لوعي الناس، وهو تزييف متبادل، لدرجة أن صوروا الدول الإسلامية، ومنها الجنوب، التي تنتهج الاشتراكية بأنها عبارة عن مجتمعات لا قيم لها ولا أخلاق ولا حتى دين، لكن الناس تحررت من هذا الوعي الزائف بفعل ثورة المعلومات التي اكتسحت العالم منذ منتصف التسعينيات والانتقال، للناس والأعمال، الذي جرى بعد انهيار الأسوار الحديدية التي كانت تحيط بعض المجتمعات. أولائك الذين فقدوا القدرة على التعاطي مع متغيرات العصر ظلوا مشبعين بهذا الوعي الزائف، ونقلوه إلى أجيال أخرى عاجزة عن الحصول على المعلومة بفعل الأمية الأبجدية والمعلوماتية، أو لغرض في نفس يعقوب، يصرون على أن الجنوب كان كافرا حتى بعد أن رأوا مساجده العامرة بالمصلين التي بنيت قبل مئات السنين وبعد أن عرفوا علماءه ومدارسه الدينية ذات الوسطية والاعتدال التي نشرت الدعوة في كل مكان وصل أبناءها إليه وخاصة مجاهل أفريقيا وشرق وجنوب آسيا وصار لهذه المدارس دعاة وأئمة في مختلف تلك الأصقاع. الاستخدام السيئ لهذا الوعي الزائف جعل البعض يتعامل مع الجنوبيين في 7/7/1994م كطلقاء مكة مع فارق ما حضي به طلقاء مكة، فلم نعلم فيما عرفناه من التاريخ أن جرى نهب لممتلكاتهم أو السطو على حقوقهم أو إقعادهم في البيوت والاستئثار بأعمالهم وتجارتهم، ولا يستغرب احدنا حين يقرأ في إحدى رؤى حل القضية الجنوبية المقدمة من احد الأحزاب أن ( حل القضية الجنوبية يرتكز أساسا على ضرورة اعتذار من حكم الجنوب بعد الاستقلال عن الانتهاكات المتعلقة بالثقافة الإسلامية وفصل الدين عن الدولة) الأمر الذي يوحي أن هناك من يعتبر نفسه وصي على الإسلام أو كأن الجنوب أصبح خاليا ممن يعرف كيف يفرض ثقافته الإسلامية القائمة على الاعتدال والوسطية، أو حين يقول عضو حزب من الوزن الثقيل ما معناه أن (على الجنوب أن يعتذر للشمال). هذه الثقافة وتلك الطروحات مع غياب الأمل في قيام دولة مدنية قائمة على حقوق المواطنة تجعل الحديث عن الوحدة ضربا من العبث وتضع المدافعين عنها من الجنوبيين (بمن فيهم رئيس الدولة) في حرج شديد فمثل هذا السلوك يضع الجنوبيين أمام خيارين، أما وحدة مواطنة منقوصة لكل ما هو جنوبي، حتى في الدين، أو الحرب، والحرب ليست نزهة ولا يحتمل اقتصاد البلد القائم على التسول توفير طقم يلاحق كل مواطن جنوبي.