إن المتتبع لواقع الإعلام السعودي الجديد في الآونة الأخيرة يرى ظهور العديد من برامج اليوتيوب الساخرة، التي تتوالد وتتكاثر، وهي من ذات المصب ومن نفس الفكرة. ومنذ انطلاقتها تلقّفتها القلوب والأبصار، منبهرة من ظهور هذا اللون من النقد، وإن كان نسخة معرّبة من مثيلتها في الغرب إلا أنها لاقت رواجًا واستحسانًا من قبل المشاهدين، وإن كانوا يمثّلون بعض شرائح المجتمع فقط. لن أتحدّث هنا عن برنامج معيّن أو قناة يوتيوب باسمها، لأن هدفي هنا نقد بعض الأفكار والمنتجات بعيدًا عن الأشخاص والأسماء. فمجرّد متابعة بعض هذه المنتجات والتردد عليها يُعزّز لديك السلبيّة والنظر إلى النصف الفارغ من الكوب، وهذا ربما نجده بعد فترة من الزمن ثقافة تربّى عليها كثيرون من خلال ما يشاهدونه عبر هذه البرامج التي تنتقد فقط دون أن تقدم حلولاً أو حتى نماذج يقتدى بها. إضافة إلى أنها تتميّز بالتكرار الممل، وذلك فيه على أقل تقدير عدم احترام لذوق المشاهد، فقد ملّ الناس –مثلاً- من نقد البلديّات والطرق والخدمات، التي تتكرر أكثر من مرة، وهو ما حوّل أصل نشوء بعض البرامج من النمط الفكاهي الساخر إلى نمط التكرار الممل، الذي يرتدي النظّارة السوداء. ونحن فعلاً لسنا بحاجة إلى تكرار الأخبار والإعلانات التي تُنشر في الصحف، أو العيوب التي تظهر في بعض البرامج والمسلسلات التلفزيونية، كما أن من الملاحظ على بعض هذه البرامج وجود السخرية التهكمية بالأشخاص في طريقة لباسهم وكلامهم أو أي شيء آخر يعدّ من الخصوصيات، وذلك غير مبرر لا إعلاميًا ولا كوميديًا ولا دينيًا، وما ذاك إلا دليل على ضعف المضمون وضياع الهدف، وعدم معرفة الطريق الذي تسير إليه تلك البرامج والغاية التي تحاول الوصول إليها. ناهيك عن أنك تخرج من جولتك بين هذه البرامج محمّلاً بكميّة غير قليلة من السلبية، تُشعرك أنك تعيش في كومة من الأخطاء، فما تُقدّمه المستشفيات خطأ، وما يمارسه الإعلام خطأ، وما يعيشه المجتمع خطأ.. وهذا ليس صحيحًا على إطلاقه. أنا لست ضد برامج النقد الساخر، ولكنني ضد الرتابة والتشابه والتداخل في مضمون ما تقدّمه، والأحرى بها أن تبدأ من حيث انتهى الآخرون، لا من حيث بدأوا. في الوقت ذاته، يجب أن نثني على برامج تجعلك تضحك حتى تسقط أرضًا، وهذا بحد ذاته يُعد نجاحًا، لأنه وعلى أقل تقدير أخرجنا من روتين الحياة الممل وضغوطاتها المتعددة. أخيرًا: أهمس في أذن كل متابع ومشاهد بأن ال(LIKE) الذي تقدّمه لهذه البرامج يُعدّ أمانة ومؤشّر على ثقافتك ووعيك، كما أنه يعتبر داعمًا للمتميّز للاستمرار في بث ثقافة السخرية المهذّبة والفكاهة المؤدبّة، ويعتبر كذلك محفّزًا للرديء بالاستمرار في إشاعة بلاهاته وتكرار سماجاته، لنراه بعد حين أحد المشاهير الذي صنعهم ال(LIKE)، وهم كفقاعة الصابون التي تكبر وتعلو، وتعلم أن مصيرها الانتهاء والاختفاء سريعًا. محمد عمر الشيخ - جامعة أم القرى