شاهد معظمنا مقطع الفيديو الذي انتشر مؤخراً للمشاجرة التي حدثت في جامع الفردوس بحي النهضة في مدينة الرياض، وقصتها أن خطيب الجامع اختتم الخطبة بالدعاء على الفريق عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع المصري؛ ما أثار غضب بعض الإخوة المصريين الحاضرين، وجعل أحدهم يصرخ في وجه الخطيب فور نزوله من المنبر للصلاة: "وانتا مالك ومال السيسي"، فرد عليه بعض الإخوة السعوديين، وحصل تلاسن وكلام يدفعه بعضه بعضاً، حتى وصل الأمر إلى أن قام شاب سعودي بدفع المقيم المصري بقوة إلى الخارج وضَرْبه ب(العقال)، واشترك معه البعض في ذلك، وحاول نفر من المصلين احتواء الموقف بتفريق الاشتباك، وإخراج الإخوة المصريين إلى خارج الجامع. إن ما نعرفه عن إمام المسجد أنه من خيرة الناس، ومن أفضلهم أخلاقاً، وأنه محبٌ لدينه ووطنه وغيورٌ عليهما، ومع ذلك فهو يتحمل مسؤولية ما حدث؛ إذْ كان عليه الاكتفاء بالدعاء على الظالمين والدعاء للمظلومين في مصر – تحديداً - على نحو التعميم المستحب شرعاً عند كثيرٍ من العلماء؛ حتى لا يزج بخطبة الجمعة في دائرة النزاع السياسي المحتدم، والفتنة الثائرة في مصر، التي لم يستفد منها إلا أعداء الأمة، نسأل الله أن يقشع غمتها. خطبة الجمعة ليست محاضرة سياسية، يلقي فيها المحاضر رأيه السياسي، أو مؤتمراً صحفياً يجوز للحاضرين فيه طرح الأسئلة فضلاً عن الاعتراض على المتحدث، بل هي عبادة لله، وفريضة؛ ويجب الإنصات لها حتى نهايتها، وإذا كانت جمعة من مس الحصى أو قال "انصت" تبطل فكيف بمن رفع صوته معترضاً؟! وكيف بمن بسط يده منتقماً؟! والعتب على من دفع هؤلاء إلى ذلك. ما حدث كان متوقعاً نتيجة للتعبئة والتهييج غير المباشرين اللذين يمارسهما بعض الدعاة، وأعلم جيداً أن ما دفع معظمهم لذلك هو غيرتهم على الإسلام ورغبتهم في نصرته، ولكن - مع افتراض صحة هذه النصرة - ليس من الحكمة التفريط بالمكتسب الثمين المتمثل في أمن واستقرار بلد يحكم بالشريعة الإسلامية، ويقيم حدود الله، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وبث الفرقة بين مواطنيه؛ لتحقيق مكتسب آخر.