عبر الدكتور سامي الجمعان عن سعادته بالتكليف الذي تلقاه من اللجنة العليا لسوق عكاظ لكتابة نص مسرحية الأعشي لموسم السوق السابع، مشيرًا إلى أن تاريخ الأعشى المتمثل في حياته الصاخبة القائمة على الترحال ثم أحداثه المتعددة كلها أوقعته في مأزق لفترة من الزمن في هاجس ابتكار الحيل الدرامية، مع حرصه الشديد على عدم الإخلال بالتاريخ، معتبرًا أن الأعشى شاعر إشكالي في حياته، والشخصيات الإشكالية عادة ما تستفز الكاتب المسرحي أو السينمائي كونها تقدم له أحداثًا متنوعة ومشوقة وقابلة للتجسيد والمسرحة، مؤكدًا أنه لم يتعاطَ مع أحداث حياة الأعشى بوصفها تاريخًا بل بمدى علاقتها بالإنسان العربي وحضارته لتأخذ بعدًا إسقاطيًا قابلًا للتحاور مع الحاضر.. في ثنايا هذا الحوار يكشف الجمعان عن أهم العوامل التي ركز عليها في كتابة نص المسرحية، وكيف ربط بين سيرة هذا الشاعر والجانب الوطني، وبماذا في هذا النص على غيره من كتّاب المسرحيات السابقة، وغير ذلك من المحاور الأخرى.. * كيف تلقيت خبر التكليف بكتابة النص؟ بعد أن قررت اللجنة العليا لسوق عكاظ في دورته الحالية أن يكون الشاعر الأعشى هو شاعر هذا العام، حيث تدور من حوله الكثير من الفعاليات، تم تكليفي بالكتابة الدرامية للعرض، ولا أخفيك أنني دائمًا ما أنظر إلى مثل هذه العروض بأنها مسؤولية جسيمة على من يتحمل الخوض في مجالها، على اعتبار أنها تاريخية ومعروفة لدى القاصي والداني، مما يضاعف من مسؤولية الكاتب وجهده المبذول، إلا أن الحدث المتمثل في سوق عكاظ، وقيمته الحضارية والثقافية والوطنية دفعت بي للحماس رغم ضيق الوقت حينها، ورغم الظروف الصعبة التي كتبت فيها النص، حيث كانت لدي أيام معدودة من شهر رمضان الكريم، بيد أن تجاربي السابقة في كتابة النص التاريخي ومسرحته، أسهما في مدي بالخبرة اللازمة في التعاطي مع مثل هذه المواقف ولله الحمد، فلي تجارب سابقة في مسرحية إسلام قبيلة عبدقيس وكتبتها في جزءين، وتجربة أخرى تتمثل في مسرحة مدينة الجرهاء التاريخية وغزو الإسكندر المقدوني لها، وحتى أوجز لك موقفي فقد كنت في قمة سعادتي بتلقي مثل هذا الخبر والتفاعل معه، فسوق عكاظ لم يعد مجرد سوق تراثي أو حدث تاريخي، بل هو مستقبل نستشرف الحياة من خلاله. * ما هي المراحل التي مررت بها في كتابة نص المسرحية؟ بالفعل أنا من الكُتّاب الذين يضعون خطة طريق لكتابة أي نص، وكانت خطتي الأولى هل تلمّس الأهداف الرئيسية التي يريدها القائمون على سوق عكاظ من تجسيدهم لشخصية تاريخية أدبية كأعشى قيس، حتى أبني نصي الدرامي الممسرح وفق تلك الأهداف، بعدها انتقلت لمرحلة القراءة المستفيضة عن الشخصية المجسدة، واستغرق مني الأمر ما يزيد على الأسبوعين، وتلك المرحلة من أهم مرحلة الكتابة للتاريخ، كونك تتعاطى مع وثائق وأحداث معلومة ومروية وثابتة وإن اختلفت الروايات، ثم مرحلة وضع الخطة الدرامية لسير النص، وهي مرحلة تعتمد اعتمادًا كليًا على مدى وعيك بالكتابة الدرامية ومدى خبرتك فيها، وتتلخص الخطة الدرامية في وضع التحولات الدرامية التي يشكلها النص والمواقف التي سيتم التركيز على تجسيدها، وفي مسرحية الأعشى كنت بحاجة إلى اختيار مقاطع شعرية للشاعر تتلاءم مع الأحداث المجسدة، وعادة ما تكون أبرز الأحداث في حياة تلك الشخصية ثم مرحلة الكتابة، حيث انطلقت حسب الخطة مع إمكانية إجراء بعض التعديلات الطفيفة على مسار النص إذا تطلب الأمر ذلك، ثم مرحلة المراجعة الأولية للنص، وتلا ذلك عدة مراجعات وتصويبات وتغييرات إلى أن تشعر برضاك عما كتبته وإن كان الرضا أمرًا مستحيلًا في الغالب. * وفقًا لخطتك هذه كيف ستربط حياة الأعشى في نجد بالجانب الوطني؟ هناك نقاط التقاء في شخصياتنا التاريخية والأدبية المعروفة، وأبرز النقاط التي تقدمها شخصية الأعشى هي ولادته وموته وترعرعه على أرض نجد وتحديدًا منفوحة، أي في جزء من الجزيرة العربية، وهو عربي له رمزية عظيمة في ما اتسم به العرب من فصاحة وبيان وشاعرية لا تجارى ولا تبارى، ونحن كسعوديين نعتز ونفتخر بأن نكون على وطن يحمل تاريخ هذه المآثر العظيمة في الأدب والفصاحة واللغة، زد على هذا وذاك أننا ننظر إلى سوق عكاظ كدليل على ما يحمله وطننا من ثراء تاريخي عظيم، والأعشى واحد ممن تباروا بشعرهم في خيمة النابغة في عكاظ، وممن نسجوا إبداعًا حق لنا أن نفاخر به ونعده واحدًا من مآثر هذا السوق. هاجس الحيل * أي صعوبات واجهتك في سير كتابة النص؟ حين ينوي الكاتب المسرحي تجسيد شخصية ما أو حدثًا تاريخيًا ما فثق بأن ثمة صعوبات ستقف في طريقه، وهي صعوبات ليست باليسيرة أو العادية، بل يكفيك من صعوبتها تعاملك مع حدث تاريخي موثق ومروي ومعروف، وإخلالك بهذه الوثائق أمر غير مقبول، وبالتالي يجدر بك الحرص والتثبت والموضوعية، ثم يقابلك معوق آخر هو الزمن المحدد للعرض الذي قد يدفع بالكاتب لإيجاد حلول درامية تختزل الزمن والأمكنة والأحداث أيضًا، ولا أخفي القارىء سرًّا أن تنقل الأعشى وحياته الصاخبة القائمة على الترحال، ثم أحداثه المتعددة أوقعتني لفترة من الزمن في هاجس ابتكار الحيل الدرامية مع حرص شديد بعدم الإخلال بالتاريخ، خذ عندك أيضًا معوق الزمن القصير الذي حدد لك لتسليم النص كونك تكتب تحت وطأة قصر الفترة الزمنية الخانقه، فضلًا عن معوقات أخرى يواجهها الكاتب لا محالة حين يجسد التاريخ وينقله للمتلقي. محاورة الحاضر * من خلال بحثك في حياة الأعشى أي شيء استوقفك فيها؟ الأعشى شاعر إشكالي في حياته، والشخصيات الإشكالية عادة ما تستفز الكاتب المسرحي أو السينمائي كونها تقدم له أحداثًا متنوعة ومشوقة وقابلة للتجسيد والمسرحة، والاعشى بدءًا من ضعف بصره حتى موته العجيب شاعر يستدعي الكتابة ويجذبك إليه، أما المواقف التي جذبتني وحركت هاجس الكتابة في قلمي هي ترحاله بين الملوك وتكسبه بالشعر، ثم إعجابه بشخصية الرسول صلّى الله عليه وسلم، ثم قوة شاعريته وقدرته على الإقناع في شتى المواقف والأغراض، أضف إلى ذلك صديقه مسحل والحالة الأسطورية التي ارتبطت به، حياته الاجتماعية الخاصة القائمة على اللهو والبحث عن السعادة في كل بقاع الأرض، وجوده في عكاظ وإنشاده الشعر ونيله الإعجاب والإشادة، نصرته بشعره للمعوزين وقدرته على تغيير مجرى حياتهم من ضعف وخمول إلى قوة وعزة كحكايته مع المحلق وبناته الثمان، والحدث الأبرز هو نزوعه إلى الإسلام ورحلته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم رغبة في الدخول في الدين العظيم والأحداث العجيبة التي انتهى إليها ثم موته في الصحراء بعد أن وقع من ظهر بعيره، إلا أنني أود التأكيد على أمر هام، هو أنني لم أتعاطَ مع هذه الأحداث بوصفها تاريخًا بل بمدى علاقتها بالإنسان العربي وحضارته لتأخذ بعدًا إسقاطيًا قابلًا للتحاور مع الحاضر. ضد الغموض * كيف تنظر للمنافسة مع كتاب المسرحيات السابقة وهل سيكون هناك نقطة تميز تراهن عليها؟ كلنا ككتاب سعوديين نعلم حجم سوق عكاظ وأهميته الحضارية، وأعتقد أن زملائي السابقين الذين مروا بالتجربة قدموا أشياء رائعة وجميلة كمحمد العثيم ورجا العتيبي وشادي عاشور وفهد رده الحارثي، وما مسرحية الأعشى التي تشرفت بكتابتها هذا العام سوى استكمال لمشوارهم، ربما أتحدث في تجربتي عن توجه الكتابة التي أعشقها وأعمل وفق معطياتها، وهي المسرحة التي لا تخلو من المتعة الدرامية، فأنا أميل إلى عرض الحدث التاريخي مكتنزًا بعنصر التشويق، كوني أؤمن بأن المسرح متعة قبل كل شيء، إلا أن هذه المتعة تبنى على أسس صارمة بالنسبة لي. أيضًا اعتنيت في تجربتي بالكتابة الواضحة البعيدة عن الإغراق في الرمز أو التغريب وهو منهج أتبعته في مسرحة التاريخ ووجدت صداه جميلًا ومقبولًا لدى المتلقي، فأنا ضد الغموض في مسرحة التاريخ بحجة ترميزه أو الإغراق في ترميزه، فالحدث التاريخي يمنحنا مقولته الوعظية مباشرة دون حاجة منا إلى تأكيدها، بل إن التاريخ في مجمله موصل حقيقي للخبرات والعظات والتجارب، لذا فكتابتي تعتمد على نقل الحدث مع ميل إلى الحكاية وسردها، وإن أردت التغريب فلا أعبث بالحدث الأصل إلا في حدود معينة، ولكني أطرق هذا الباب عبر استثمار التقنيات الفنية الحديثة المصاحبة، وهو أمر أتركه للمخرج فهذه لعبته ومساحة إبداعه، وباختصار شديد أسعى في مسرحية الأعشى لاستعراض أحداث حياته عبر الحكاية وتسلسلها مع ابتكار حيل درامية كتابية قادرة على منحنا ميزات مهمة كاختزال الأزمنة والأمكنة والمقولات وغير ذلك.