في افتتاح أعمال مؤتمر الأزمة المالية العالمية والآفاق المستقبلية، الذي يعقد على مدى يومين في أبوظبي، أكد المتحدثون أن الامارات أثبتت أنها ملاذ آمن في الأزمات العالمية، عزز عدم الاستقرار في المنطقة مكانتها عالميًا، وأن ارتباط أي دولة الوثيق بالنظام المالي العالمي يجعلها أكثر تأثرًا بالأزمات العالمية. أبوظبي: قال مايكل كوربن، سفير الولاياتالمتحدة الأميركية لدى دولة الإمارات إن "الإمارات البلد الأنسب لمناقشة سبل تعافي الشرق الأوسط من الركود الاقتصادي العالمي، بوصفها ملتقى طرق استراتيجياً ومحطة عالمية للنقل والخدمات اللوجستية". وأضاف أن الإمارات تؤثر في المنطقة والعالم، "لا سيما بعد أن أثبتت نفسها ملاذًا آمنًا ونموذجًا إيجابيًا، بوصفها مركزًا قانونيًا وماليًا يدعم الأعمال التجارية الدولية في أنحاء المنطقة، في خضم الاضطرابات الأخيرة التي شهدها الشرق الأوسط". واشار كوربن إلى أن عدم الاستقرار في المنطقة عزز من أهميتها بالنسبة للعالم. شراكة أميركية - إماراتية أوضح كوربن اليوم الاثنين، في افتتاح أعمال مؤتمر الأزمة المالية العالمية والآفاق المستقبلية، الذي يعقد على مدى يومين في أبوظبي، بالتعاون بين جامعة ماين الأميركية ومركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أوضح أن واشنطن تنخرط مع الإمارات لدعم التنمية الاقتصادية في هذه الدولة، ودعم دورها كركيزة للسياسة الاقتصادية الإقليمية، مشيرًا إلى أن واشنطن تدعم جهود التنويع في الإمارات، بما في ذلك تنويع مصادر الطاقة من خلال مشروع للطاقة النووية في براكة. كما تستخدم الشركات الأميركية الإمارات مركزًا إقليميًا، نظرًا إلى جودة البيئة المالية والقانونية في الدولة، والتي يمكن اعتمادها نموذجًا للدول العربية الأخرى. واضاف كوربن أن الحكومة الأميركية تشاطر حكومةَ الإمارات نشاطها في قضايا السياسات الاقتصادية، خصوصًا معالجة مسألة تحسين الأطر القانونية. كما أكد أن الامارات ستلعب دورًا رائدًا في تطوير الإطار التجاري والاستثماري بين واشنطن ودول مجلس التعاون لدول الخليج. ونوه السفير الأميركي أن الولاياتالمتحدة تدعم جهود الإمارات الرامية إلى تطوير رأس مالها البشري، من خلال تصدير كوادر التعليم العالي وتشجيع روح المبادرة. انتحار رأس المال البشري أشار الدكتور بانكاج أغراوال، أستاذ المالية في كلية ماين للأعمال في جامعة ماين بالولاياتالمتحدة الأميركية، أن رأس المال البشري أساس أي نمو اقتصادي، ولا بد من أن يترافق التحول من اقتصاد التصنيع إلى اقتصاد المعرفة مع نمو في رأس المال البشري. لكن الولاياتالمتحدة الأميركية شهدت انخفض رأس المال البشري فيها، بفعل حوادث الانتحار الناجمة مباشرة عن الأزمة المالية. أضاف: "بين العامين 1999 و2009، بلغ معدل الانتحار ضعف معدل جرائم القتل تقريبًا في الولاياتالمتحدة الأميركية. وفي العامين 2008 و2009، ارتفعت نسبة حالات الانتحار الناجمة عن مشكلات العمل والمشكلات المالية بشكل ملحوظ، وفقًا لبيانات صادرة عن مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها. تابع أغراوال: "اندلعت هذه المشكلات المالية نتيجة عوامل عدة، مردها انهيار قطاع الإسكان، مثل جنح الرهن العقاري وعمليات حبس الرهن والإخلاء القسري. وقد كان المجتمع المالي السبب في الكثير من هذه الوفيات التي حصلت نتيجة لخسارة متصورة للوضع بعد حدث مالي سلبي". واوضح أغراوال أن لحالات الانتحار هذه تأثيرات اقتصادية كبيرة، إذ لا يمكن للمجتمعات أن تتحمل أعباء مثل هذا التسرب لرأس المال البشري، وكذلك نتيجة للتأثيرات الإضافية المدمرة التي تصاحب رحيل الفرد المفاجئ. ولفت إلى تقارير تفيد بأن معدلات الانتحار قد قفزت بما يصل إلى 60 في المئة في بعض المناطق، ما أدى إلى تآكل رأس المال البشري، وشكل ضريبة ضمنية على البنية التحتية الصحية، وعليه لا بد لصانعي السياسات من دراسة هذه الظاهرة. العاصفة الاقتصادية المثالية في سياق متصل، كشف جيمس بريس، أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة ماين بالولاياتالمتحدة الأميركية، أن الاضطرابات المالية ليست بالشيء الجديد، تحدث في الولاياتالمتحدة كل 60 شهرًا في المتوسط، إلا أن تداعياتها تطال العالم كله. قال: "نعاني في الوقت الحالي ركودًا اقتصاديًا شديدًا، كانت أسبابه الكامنة تختمر منذ سنوات عديدة، وكان علينا اكتشافها منذ فترة". أضاف: "هناك أسباب جذرية عدة لما نسميه بالعاصفة الاقتصادية المثالية، فاليابان كانت آخذة في التراجع، وأصبحت الاقتصادات النامية مراكز تصنيع، بينما كانت الدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط مستقرة نسبيًا، وتعمل على تنويع اقتصاداتها بعيدًا عن النفط، وكان مركز الثقل الاقتصادي يتحول من الغرب إلى الشرق". وتابع بريس: "من بين العوامل الأخرى تزايد الاعتماد المتبادل في التجارة العالمية، فثمة عنصر آخر تمثل في تجربة الاتحاد النقدي الأوروبي الاقتصادية التي جرى تطويرها خلال أوقات اليسر، من دون أن تخضع للاختبار في أوقات العسر". تدهور اقتصاد الأسر الأميركية وذكر بريس أن أحد الأسباب الجذرية الأخرى لذلك هو التحول الهيكلي للاقتصاد الأميركي من اقتصاد قائم على التصنيع إلى اقتصاد قائم على المعرفة. وأشار إلى أن "الأوضاع المالية للأسر في أميركا كانت في حالة تدهور، بسبب التغيّر الذي طرأ على القطاع المالي. فأدواتنا المالية ونظمنا المصرفية الغامضة لم تواكب المنتجات المالية الجديدة، كمقايضة مخاطر الائتمان، وهو ما يمكن تسميته بأحد أسلحة الدمار الشامل المالية". ومضى يقول إن الدول الأكثر تأثرًا بالأزمات كانت تلك الأكثر ارتباطًا بالنظام المالي العالمي، وتلك التي لم تستطع حماية نفسها عبر سياساتها النقدية. وتوقع أن يستغرق التعافي من أثار هذه الأزمة عقودًا، "فالتحدي الذي يواجه الأسر الأميركية سيظل ماثلًا لأجيال قادمة". العولمة والاقراض وأسباب أخرى أوضح جمال السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أن الأزمة المالية العالمية نتاج طبيعي لعوامل عدة، من أهمها عولمة المنظومة المالية والاقتصادية، والهجرة غير المنظمة لرؤوس الأموال، والانفتاح الهائل للأسواق المالية، والإقراض العقاري من دون ضوابط وضمانات، وغير ذلك من العوامل التي دفعت كثيرًا من الحكومات إلى التدخل المباشر لمواجهة الآثار المترتبة عليها، وخصوصًا في انهيار البنوك وارتفاع معدلات البطالة. وقال: "أشار الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى أن الأزمة المالية تهدد معيشة مليارات الأشخاص في العالم، خصوصًا الأكثر فقرًا منهم، وهو ما يدفعنا اليوم إلى دراسة هذه الأزمة". أضاف: "إذا كان العالم قد استطاع النجاة من الأزمات المالية والاقتصادية العالمية السابقة، فإنه قادر على تجاوز الأزمة الراهنة بأقل خسائر ممكنة، بفضل جهود الخبراء والمفكرين والأكاديميين والباحثين".