بدأت صباح أمس، في مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية بالتعاون مع جامعة مين الأمريكية، أعمال المؤتمر الخاص بالأزمة المالية العالمية والآفاق المستقبلية، وسط حشد من أعضاء السلك الدبلوماسي ونخبة من الباحثين والخبراء الاقتصاديين والإعلاميين، وذلك في قاعة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في مقر المركز بمدينة أبوظبي . جمال السويدي: الأزمة نتاج طبيعي لانفلات الإقراض العقاري أكد الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، في كلمته الترحيبية لدى افتتاح المؤتمر أننا اليوم، نناقش إحدى الأزمات العالمية التي تُلقي بتداعياتها على دول المنطقة، وإذا كنا قد علمنا متى بدأت، فإنه ليس من المعروف متى ستنتهي، بعد أن امتدت آثارها من الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى دول العالم: شماله وجنوبه وشرقه وغربه، من دون تفرقة بين دول نامية ودول متقدمة، وتداخلت فيها الأسباب مع النتائج، وأضحت الأزمة مركبة تحتاج إلى تضافر جهود دول العالم؛ لوضع حلول عملية وواقعية للأزمة ومواجهة تداعياتها . وبين الدكتور السويدي أن الأزمة المالية العالمية نتاج طبيعي لعوامل عدة؛ من أهمها: عولمة المنظومة المالية والاقتصادية، والهجرة غير المنظمة لرؤوس الأموال، والانفتاح الهائل للأسواق المالية، والإقراض العقاري من دون ضوابط وضمانات، وغير ذلك من العوامل التي دفعت كثيراً من الحكومات إلى التدخل المباشر لمواجهة الآثار المترتبة عليها، وخاصة في انهيار البنوك وارتفاع معدلات البطالة، وقد أشار الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، إلى أن الأزمة المالية تهدد معيشة مليارات الأشخاص عبر العالم، وخصوصاً الأكثر فقراً منهم . وهو ما يدفعنا اليوم إلى دراسة هذه الأزمة . وقال السويدي: إذا كان العالم قد استطاع النجاة من الأزمات المالية والاقتصادية العالمية السابقة، فإنه بفضل جهود الخبراء والمفكرين والأكاديميين والباحثين، يمكن أن تتحقق الانفراجة في الأزمة الراهنة، مشيراً إلى أن مؤتمرنا، يسعى إلى تحقيق هدفين في آنٍ واحد، يتركز الهدف الأول في محاولة التوصيف الدقيق للآثار السياسية والاقتصادية والمؤسساتية والاجتماعية للأزمة المالية العالمية، أما الهدف الثاني فهو محاولة استشراف المستقبل بعد الأزمة في مختلف الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حتى نستطيع الوقوف على دور دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في الاقتصاد العالمي الجديد، ومن المؤكد أن هذه الأهداف لن تتحقق إلا بإسهاماتكم العلمية ومناقشاتكم الموضوعية، وتبادل الأفكار البناءة بين الخبراء والمسؤولين، حول الموضوعات المطروحة؛ للتوصل إلى استراتيجيات وسياسات مناسبة لمستقبل أفضل . وأكد أن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، يسعى منذ إنشائه عام ،1994 لدراسة القضايا المؤثرة في صوغ المستقبل في المجالات كلها؛ لدعم الجهود الوطنية والإقليمية والدولية التي تعمل من أجل غد أفضل للإنسانية، من خلال النشاطات والفعاليات التي يقوم بها المركز، ومن خلال إصداراته المتنوعة، وجهوده في دعم القرار على المستويين المحلي والاتحادي، ومؤتمرنا هذا دليل عملي على استمرارنا في هذا الاتجاه، ولاسيما أن موضوعه يؤثر في كل مناحي الحياة، بل في مستقبل "المنظومة المالية والاقتصادية"، وفي تغيير مراكز القوة العالمية؛ ولذا، نأمل أن يكون هذا المؤتمر إضافة نوعية إلى الجهود الدولية والإقليمية والوطنية لمواجهة هذه الأزمة المالية . كما ألقى السفير مايكل كوربن، سفير الولاياتالمتحدةالأمريكية لدى دولة الإمارات، الكلمة الرئيسة للمؤتمر، وقد أكد فيها أن عدد الشركات الأمريكية الكبرى في الإمارات ارتفع من 750 شركة إلى أكثر من 1000 شركة خلال عام ونصف فقط . وأضاف أن دولة الإمارات تعد البلد الأنسب لمناقشة الطرائق التي يمكن الشرق الأوسط بها التعافي من الركود الاقتصادي العالمي، بوصفها ملتقى طرق استراتيجياً، ومحطة عالمية للنقل والخدمات اللوجستية، حيث لا يخفى تأثير دولة الإمارات في المنطقة والعالم، ولاسيما بعد أن أثبتت أنها ملاذ آمن ونموذج إيجابي- بوصفها مركزاً قانونياً ومالياً يدعم الأعمال التجارية الدولية في أنحاء المنطقة- في خضمّ الاضطرابات الأخيرة التي شهدها الشرق الأوسط، ولقد عزز عدم الاستقرار في المنطقة أهميتها . وقال السفير الأمريكي كوربن: لاشك أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تنخرط مع دولة الإمارات بشتى الطرق، لدعم التنمية الاقتصادية في دولة الإمارات، ودعم دورها؛ بوصفها ركيزةً للسياسة الاقتصادية الإقليمية؛ فالولاياتالمتحدة تدعم جهود التنويع في دولة الإمارات، بما في ذلك تنويع مصادر الطاقة من خلال مشروع للطاقة النووية في الدولة، كما تتخذ الشركات الأمريكية دولة الإمارات العربية المتحدة مركزاً إقليمياً؛ نظراً إلى جودة البيئة المالية والقانونية فيها، وهي التي يمكن استخدامها نموذجاً للدول العربية الأخرى، وتُشاطر الحكومة الأمريكية، حكومة الإمارات العربية المتحدة بنشاطٍ، قضايا السياسات الاقتصادية، وخصوصاً معالجة مسألة تحسين الأطر القانونية، وستلعب دولة الإمارات العربية المتحدة، دوراً رائداً في تطوير الإطارين التجاري والاستثماري، بين الولاياتالمتحدةالأمريكية ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية . وقد خلص السفير في كلمته إلى القول: إن الولاياتالمتحدةالأمريكية تدعم جهود دولة الإمارات العربية المتحدة الرامية إلى تطوير رأس مالها البشري، من خلال تصدير كوادر التعليم العالي، وتشجيع روح المبادرة . ويذكر أن المؤتمر يناقش على مدى يومين كثيراً من القضايا والموضوعات المهمة؛ حيث ستبحث الجلسة الأولى، في التأثيرات الاقتصادية والمؤسساتية الناجمة عن الأزمة المالية العالمية، فيما ستناقش الجلسة الثانية، التداعيات السياسية والاجتماعية الناجمة عن هذه الأزمة، سواء من حيث تغيرات مراكز القوة العالمية، أو من حيث الاضطرابات السياسية والاجتماعية التي أفرزتها الأزمة في كثير من البلدان، وتأثيرها في قطاع التعليم . كما ستناقش الجلسة الثالثة، مستقبل الاقتصاد العالمي بعد الأزمة، بأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فيما ستخصص جلسة المناقشة الختامية لبحث دور مجلس التعاون لدول الخليج العربية في الاقتصاد العالمي الجديد . التأثيرات الاقتصادية والمؤسساتية الناجمة عن الأزمة المالية في الجلسة الأولى التي حملت عنوان: "التأثيرات الاقتصادية والمؤسساتية الناجمة عن الأزمة المالية"، وترأسها د . عبيد سيف الزعابي، مدير البحث والتطوير، هيئة الأوراق المالية والسلع، دولة الإمارات العربية المتحدة، ألقى الدكتور جيمس بريس أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة مين، بالولاياتالمتحدةالأمريكية، ورقة بحثية عن "الانتقال من أزمة مالية إلى أزمة اقتصادية" استهلها بتهنئة دولة الإمارات بعيدها الوطني الحادي والأربعين . بعد ذلك، تحدث الدكتور بانكاج أغراوال أستاذ المالية، في كلية مين للأعمال، في جامعة مين، بالولاياتالمتحدةالأمريكية في محاضرته التي حملت عنوان "الدور المتغير للمؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية بعد الأزمة"، أكد فيها أن رأس المال البشري، يعدّ أساس أي نمو اقتصادي، ولا بدّ من أن يترافق التحول من اقتصاد التصنيع إلى اقتصاد المعرفة، والنمو في رأس المال البشري . ولكن في الولاياتالمتحدةالأمريكية - وبشكل متزايد في أنحاء العالم - انخفض رأس المال البشري؛ بفعل الانتحار الناجم مباشرة عن الأزمة المالية، مشيراً إلى أن ما بين عامي 1999 و،2009 بلغت معدلات الانتحار، ضعف معدلات جرائم القتل تقريباً في الولاياتالمتحدةالأمريكية . وأضاف في عامي 2008 و،2009 ارتفعت نسبة حالات الانتحار الناجمة عن مشكلات العمل والمشكلات المالية بشكل ملحوظ؛ وفقاً لبيانات أصدرتها مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها . وقد اندلعت هذه المشكلات المالية نتيجة عوامل؛ مردّها انهيار قطاع الإسكان؛ مثل: جنح الرهن العقاري، وعمليات حبس الرهن، والإخلاء القسري . وقد كان المجتمع المالي؛ السبب في كثير من هذه الوفيات التي حصلت؛ نتيجة خسارة متصورة للوضع بعد حدث مالي سلبي .