انتقد الدكتور سعد بن عبدالرحمن البازعي عضو مجلس الشورى التأخر الكبير في الاهتمام بالموروث الشفاهي في المملكة، مستغربًا هذا التأخر على الرغم من أن جزءًا كبيرًا من ثقافة المملكة شفاهي، مبينًا أن تدوين هذه الثقافة الشفاهية بدأ منذ حوالي ثلاثين سنة بمجهودات فردية قادها الدكتور سعد الصويان، والذي نجح بمساعدة عدد من الباحثين في نشر موسوعة الثقافة التقليدية التي تمثل نواة للانطلاق، كذلك لم يخف البازعي إعجابه بالدور الذي أصبحت تلعبه المهرجانات الشعبية وعلى رأسها مهرجان الجنادرية في حفظ موروثنا الشعبي، متمنيًا أن يرافق ذلك إنشاء مركز علمي يهتم بالجانب المعرفي للأدوات والرقصات والألعاب الشعبية. جاء ذلك في المحاضرة التي ألقاها البازعي يوم الأول من أمس بمقر نادي الجوف الأدبي الثقافي في مقره في سكاكا عن الموروث الشفاهي، بيّن في مستهلها أن جزءًا كبيرًا من المشهد الثقافي في المملكة شفاهي، مشيرًا إلى أن المقصود بالشفاهي هي مجموعة المعارف والمنتجات الفنية المتناقلة مشافهة من جيل إلى آخر، لافتًا إلى أن الناس في عصر صدر الإسلام كانوا يرون المشافهة أرقى من الكتابة لكنهم اضطروا للتدوين عندما بدأوا في جمع القرآن الكريم خوفًا من موت حفاظه، مضيفًا أن الثقافات الإنسانية تتمثل في الجانبين الشفاهي والمكتوب لكن الاختلاف كان يتجلى في مدى الاهتمام بحفظ هذا الموروث، فأوروبا كانت هي البادئة نهاية القرن السابع عشر بعد أن بدئ في جمع الحكايات التي يتناقلها الناس وقامت بنشرها ليتطور هذا الاهتمام في القرنين التاليين ليتحول إلى تأطيره وفق أسس علمية أصبحت تدرس فيما بعد. وانتقد البازعي التخوين الذي يطال كل من يتحدث عن الثقافة الشعبية ورميه بتهمة السعي لتدمير اللغة العربية قائلًا: إن مجرد الحديث عن الثقافة الشعبية أصبح يقودك تلقائيًا إلى دائرة الاتهام بمحاولة تدمير الفصحى لتصبح مشغولًا بنفي هذه التهمة، والتأكيد على أن هذه الثقافة تمثل جانبًا مهمًا في ثقافة البلاد. وفي مقابل هذا الانتقاد أبدى الدكتور البازعي إعجابه بدور التقنية في حفظ جزء من هذا الموروث بأنواعه المختلفة من خلال الأوعية الحديثة كاليوتيوب على سبيل المثال، رغم وصفه إياه بأنه «مخزن فوضوي يحتاج فقط إلى ترتيب وتنظيم وفهرسة». الندوة شهدت العديد من المداخلات من أهمها مداخلة الدكتورة ثريا عبداللطيف عضو هيئة التدريس بجامعة الجوف، التي اقترحت تسيير قوافل ثقافية تجوب مناطق المملكة لتسجيل تراث المناطق كل على حدة، ليجد هذا المقترح الثناء والإشادة من المحاضر الدكتور البازعي، لكنه انتقد في المقابل غياب دور الإعلام في إبراز الدور الكبير الذي تلعبه دارة الملك عبدالعزيز للمساهمة في حفظ الموروث، في سياق رده على مداخلة عواد المعدوة والتي أشار فيها إلى إنه عمل باحثا غير متفرغ عام 1417ه قام خلالها مع مجموعة من المختصين بتسجيل الكثير من الجوانب الثقافية الشعبية استفاد منها عدد من الدارسين للحصول على درجات علمية عالية، فيما أثنى مطر الزهراني مدير عام التربية والتعليم بمنطقة الجوف بالدور الذي تلعبه مؤسسات التعليم العالي، مستشهدًا بتجربة جامعة أم القرى في العمل على حفظ التراث والموروث الشعبي. وفي ختام المحاضرة كرّم رئيس مجلس إدارة نادي الجوف الأدبي الثقافي الدكتور محمد بن علي الصالح عضو مجلس الشورى الدكتور البازعي بحقيبة إصدارات النادي.