عندما يغيب المنطق تحتار العقول بكل ما يدور حولها؛ فتختلّ الكثير من الموازين، وتُدمَّر الكثير من المسلَّمات. وعندها يبدأ عبث العابثين، وفساد المفسدين، واللعب بمصير كثير من البشر؛ فهؤلاء لا يهمهم إلا مصالحهم الشخصية، وتحقيق رغباتهم، بغض النظر عن النتائج التي تنجم عن عبثهم وفسادهم؛ فتجدهم ينفّذون كل ما يشبع نزوات فكرهم، وجنون رغباتهم. ولو عدنا بالذاكرة بضع سنوات مضت لوجدنا حقائق ماثلة للعيان، تدل على عبث هؤلاء وما فعلوه بالكثير من المساكين؛ إذ كانت الفكرة "الجهنمية" أو العبقرية التي تعدى ضحاياها الملايين.. ألا وهي كارثة العصر، ومصيبة الزمان.. إنها الأسهم؛ فما حدث للناس من جراء هذه اللعبة، وما لحق بهم من مصائب غيَّر وجه المجتمع وتركيبته السكانية وطبقاته. ولعبة الأسهم وما حدث فيها لا تخفى على الكثير من أصحاب العقول النيرة وذوي الألباب النبيهة؛ فقد دخل هؤلاء العابثون وأُولئك المفسدون مجال الأسهم، وبدؤوا يمارسون هواياتهم في العبث بمصائر الناس وعقولهم، فاشتروا الكثير من الأسهم، وبدؤوا يرفعون المؤشر ويخفضونه تبعاً لمصالحهم؛ فيرفعون أسهم هذه الشركة، ويخفضون أسهم تلك كما يشاؤون، دون حسيب أو رقيب مستغلين بذلك مكانتهم الاجتماعية أو مرتبتهم الوظيفية ونفوذهم. واستمروا بهذا العبث حتى يغروا أكبر عدد من الناس بدخول السوق، واستمروا برفع المؤشر وزيادة الأرباح ومعدل الارتفاع والنسب، حتى أوصلوا السوق لحدود غير منطقية، بل لا يتقبلها العقل، ومن ثم أجهزوا عليه بالضربة القاضية التي حولت الكثير من الناس بين يوم وليلة إلى فقراء، لا يملكون قوت يومهم، ولا مأوى يؤويهم، بعد أن باع البعض بيوتهم، وأخذ البعض الآخر قروضاً ما زالوا يدفعون أقساطها حتى اليوم! وفصول هذه اللعبة دامية، وحلقاتها مستمرة، ومصائبها متعددة ومتنوعة؛ فبعد الأسهم هل سيكون الدور على العقار..؟!! نعم، إنه المرشح الأكبر لخلافة الأسهم؛ ليكون تسلية هؤلاء العابثين، والغول الذي ينتظر ضحاياه، بل إنهم بدؤوا به بالفعل؛ فقد عملوا عليه منذ سقوط الأسهم، فبدؤوا يرفعون أسعار الأراضي حتى أوصلوا سعر المتر لحد الفحش، حتى أنه في أراضٍ قاحلة جرداء، لا يوجد بها أدنى مقومات الحياة، تجاوز الألف ريال..!! أما أسعار المنازل فلا تفكر فيها، ولا تتخيلها؛ لأنك ستصاب بإحباط شديد؛ فشبه منزل أو ما يمكن أن يسمى منزلاً، إن كانت ستسكنه عائلة صغيرة جداً، وفي أحياء تفتقر لجميع الخدمات، ومساحته لا تصل ل(300)م2، قيمته تصل لمليون ريال إن لم تتجاوزه.. فأي عقل يمكن أن يتقبل مثل هذا..؟!!! لذا يلجأ الكثير من المواطنين للإيجار؛ ليقعوا مرة أخرى في شباك هؤلاء المتنفذين؛ فهم أيضاً المسيطرون على هذا السوق، ويتحكمون فيه صعوداً وصعوداً؛ لأنه لم ينزل أبداً، وكأنه لا يخضع لمبدأ العرض والطلب! ولو أردنا الحديث عنه لأخذ منا ذلك زمناً طويلاً، ولزدنا قهر القارئ العزيز قهراً؛ فيكفيك أن تعلم أن من أراد أن يستأجر فعليه أن يجند نفسه للبحث أياماً طويلة إن كان يقبل بأي شقة، أما إن كان يبحث عن شيءٍ خاص فزمنه سيمتد أشهراً. من هنا بدأنا نقول إن اللعبة القادمة هي لعبة العقار؛ لأنه وصل لذروة اللاعقلانية؛ فسوقه لا يخضع لأي منطق أو عقل أو مقاييس أو حسابات، ولا حتى حدس أو توقعات. وإلى ذلك الحين.. نبقى ننتظر هل ستوجَّه للعقار ضربة قاضية..؟!! أم سيستمر العقار بتوجيه ضرباته القاضية للمواطن المسكين..؟!