عيسى الحربي- سبق- الرياض: حذَّر الشيخ عادل الكلباني من أن التفريق بين الأم وولدها، خاصة في حال الطلاق "ظلم وأي ظلم، وجرم ما أبشعه من جرم، ظلم يمنع القطر، وينشر الحقد والكراهية، ويمنع الرزق، ويمحق البركة". وطالب "الكلباني" في خطبة الجمعة بالاهتمام ب"فاجعة" كل مطلقة محرومة من ولدها عن طريق "الأخذ على يد الظالم، وأطره على الحق أطراً، بنظم قوانين تحدد مسار العلاقة بين الطليقين، وتلزم الزوجين بألا يكون الأولاد وقوداً للقتال بينهما، ولا أن تكون مشاعرهم هملاً". وأكد أن "ديننا الحنيف قد أعطى كل ذي حق حقه، وقد نالت المرأة حقها كاملاً في التشريع الإسلامي بما لا مزيد عليه، ولكن المشكلة في هضم هذه الحقوق من المسلمين، كما خالفوا الشريعة في كثير من أمور حياتهم، ووقع الظلم منهم، وهو محرَّم شرعاً وعقلاً". وقال: "إن من الواجبات التي تنتزع من المرأة، وقلّما نرى لها مهتماً، وعنها متكلماً، حقها في أن تعيش بأمان مع أولادها؛ فتعاني تحت وطء زوج ظلوم الخوف والهلع؛ فهي مهددة بحرمانها من فلذات كبدها إذا هي استعصت على سوء أخلاقه، وفساد أطباعه؛ فتُجبر على تحمل ظلمه، وذهاب عقله، وتتحمل سهره ونكده وبخله؛ حتى لا تفقد أولادها". وتابع: "وكثيراً ما استُخدم الأولاد طعماً لجبرها على البقاء تحت كنف الظالم، فإذا ما انعتقت منه سامها سوء العذاب بأولادها؛ فمنعهم منها، ومنعها منهم". وقال: "ومما يؤسف له أن القضاء في غالب الأحيان يكون في صف الزوج أو المطلِّق؛ فلا ينصفها، ولا يقر عينيها برؤية الأطفال ولو من بعيد". وتساءل: "في شرع مَن وفي حكم مَن تُمنع الأم من أن تحتضن أولادها، وتعيش معهم طفولتهم، ويُحرم الطفل من حنانها، ويعيش اليُتم وهي حية؟". واستشهد "الكلباني" بما ورد في السنة المطهرة: "كنَّا معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وآله وسلَّمَ في سفرٍ فانطلقَ لحاجتِه فرأينا حُمرةً معَها فرخانِ فأخذنا فرخَيها فجاءتِ الحمرةُ فجعلت تفرشُ فجاءَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وآله وسلَّمَ فقالَ: من فجعَ هذِه بولدِها؟ فردُّوا ولدَها إليها". وأصل الحديث في سنن أبي داود. وصححه غير واحد من أهل الحديث، منهم ابن حجر، والنووي والمنذري والألباني - رحم الله الجميع. وقال "الكلباني": "هذه أنثى طير صغيرة، تحن إلى فرخيها، فتشكو إلى الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم، وهو الرحمة المهداة للعالمين، فيسأل عمن فجعها، وقف عند قوله (فجع هذه بولدها). قف عند هذا السؤال ملياً وردده، وتأكد أن الحديث عن طائر، مجرد طائر، لكنه أم، أم مفجوعة بولديها، أخذها من ظن أنه قادر، وله الحرية في أن يفعل بها وبولديها ما يشاء، لكن الرحمة المهداة للعالمين صلوات الله وسلامه عليه يأبى، حتى وهي طائر، حتى وإن كنا نظن ألا شعور له، ولا إحساس فيه، إنها الرسالة لرحمة العالمين". وتساءل: "فكيف بإنسان، له شعوره الكامل، وأمومته الكاملة، وإحساسه المرهف، يحول ظلم رجل لا يخاف الله، ولا يراقبه، ولا يتقيه، فيتخذ من مشاعرها ذخيرة لأسلحته التي يقتلها بها، فيجعلها تعاني البين وآلامه، غافلاً عن ألم الطفل ومشاعره، وهو يرى أقرانه يستمتعون بأحضان أمهاتهم، ويبتهجون بمناداتها بتلك الكلمة الرنانة في كل أذن، المنقوشة في كل قلب: أمي". ولفت "الكلباني" إلى "نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يفرَّق بين الأم وابنها حتى وهما من سبي المعركة، وأسرى القتال". وقال: "إن التفريق بين الأم وولدها باستغلال ضعفها، وقلة حيلتها، وتكالب المجتمع عليها، خاصة في حال الطلاق، ظلم وأي ظلم، وجرم ما أبشعه من جرم، ظلم يمنع القطر، وينشر الحقد والكراهية، ويمنع الرزق، ويمحق البركة". وأضاف: "كم وددت أن ينصف الكتّاب والوعاظ والخطباء الأمهات المحرومات من فلذات أكبادهن، والوالد لا يرف له جفن، ولا يلين له قلب، مستمتع بعذابها مزهو بانتصاره". وقال: "أمر الله الولد أن يبر والديه حتى مع شركهما.. فإذا كانت الصحبة للوالدين بالمعروف حتى مع شركهما، بل مع جهادهما ولدهما ليشرك، وحثهما له على ترك دينه، فكيف إذا كانت الوالدة صالحة تقية، حنوناً مربية؟". وأضاف: "إن الرجل وهو يمارس قوامته على المرأة، ويستغل ظروفها، ويأكل مالها، ويشقيها بأولادها، لا يمكن أن يفعل ذلك وهو مستحضر علو الله وكبرياءه جل في علاه، فلو كان مؤمناً بالله حق الإيمان لعلم أنه أعلى منه، وأكبر، وأقدر على الانتقام، لا يرضى بالظلم، وسيحكم بينهم بالعدل، في يوم تتساوى فيه الرؤوس، ويلتقي الظالم بالمظلوم، والمستضعف بالمستكبر". وقال: إن كنت يا رجل قادراً على ظلمها فإن قدرة الله تعالى على أن يقتص منك لها أكبر من قدرتك على ظلمها. قال القرطبي رحمه الله: أي إن كنتم تقدرون عليهن فتذكروا قدرة الله، فيده بالقدرة فوق كل يد، فلا يستعلي أحد على امرأته فالله بالمرصاد؛ فلذلك حسن الاتصاف هنا بالعلو والكبر. وختم "الكلباني": "إن دموع امرأة تشكو ألم الوجد على طفلها وهي ترقبه، وتشم أنفاسه، وهو عنها مبعد، يقطع قلبها الشوق إليه، ويدمع عينها الوجد عليه، ينبغي أن توجَّه إليها الأبصار، وتلفت الأنظار، ويرفع عنها القهر والظلم، وما ذاك إلا بالأخذ على يد الظالم وأطره على الحق أطراً، بنظم قوانين تحدد مسار العلاقة بين الطليقين، وتلزم الزوجين بألا يكون الأولاد وقوداً للقتال بينهما، ولا أن تكون مشاعرهم هملاً".