لا يسعى كتاب «العالم العربي بين الحاضر والمستقبل» لمؤلفه قدري حفني والصادر حديثًا عن مكتبة الإسكندرية للوصول إلى نتائج حتمية برغم ما طرح فيه من أفكار إلى وضع أطر محددة، بقدر سعيه لفتح نقاش مجتمعي أوسع حول موقع عالمنا العربي على خريطة المستقبل وما إذا كان الإصلاح بأوضاعه الراهنة يدعم ويعزز بناء المستقبل أم أنه يشكل أحد المعوقات التي تحول دون تقدم مجتمعاتنا العربية.. حيث يقدم الكتاب أفكارًا خصبة حول ما أمكن تحقيقه من وثيقة الإسكندرية هذه الوثيقة التي انبثقت عن مؤتمرات الإصلاح العربي التي عقدت بمكتبة الإسكندرية لسنوات عدة حيث تستهدف الوثيقة توجيه رسالة واضحة للمجتمعات العربية بضرورة النظر إلى الحاضر كطريق حتمي وإلى المستقبل مما يترتب على تشابك المشكلات وتداخل معوقات التقدم في العالم العربي مما يحتم أن تكون هناك نظرة مستقبلية للإصلاح مع اعتباره عملية شاملة من السياسات المتكاملة التي يعضد بعضها بعضا ويزيد كل منها فرص نجاح السياسات الأخرى بما يمكن مجتمعاتنا من عبور المرحلة الانتقالية الصعبة من مجتمعات الركود إلى مجتمعات التنمية والتخطيط للمستقبل. قسم المؤلف الكتاب إلى أربعة فصول بحيث يتناول الفصل الأول «عالم عربي متغير في كوكب متغير» تأثير الأزمة العالمية على العالم العربي والتي بدأت في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وقسم الكاتب العالم العربي لثلاثة مجموعات المجموعة الأولى وهي دول الخليج حيث أثرت الأزمة المالية على الفائض وعلى العمالة الوافدة إلى الخليج، والمجموعة الثانية وهي دول المغرب العربي وهي ترتبط بأوروبا أكثر من المشرق العربي حيث لديها 4.5 مليون مهاجر ويهم أوروبا أن يعود هؤلاء المهاجرون، أما المجموعة الثالثة وهي الشرق الأدنى وهي تضم الأردن ومصر وفلسطينوالعراق وتكمن مشكلة تلك المجموعة في الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والصراع الداخلي في العراق، ويرى المؤلف أنه لن تكون هناك وحدة عربية ما لم تتحد تلك المجموعات معا حيث ستؤدي الأزمة الاجتماعي والتنمية البشرية إلى تدهور في حجم التحويلات نتيجة انخفاض الناتج القومي وقد تؤثر الأزمة على الاستثمار في الثروات الطبيعية مثل الغذاء والبترول والمياه والصناعات الثقيلة وغيرها.. وأكد المؤلف في ذلك الفصل على ضرورة قيام حوار حول النظام العالمي مع ضرورة وجود ضوابط للنظم المالية في الجهاز المصرفي، كما طرح الفصل أفكارًا تتعلق بمشكلات البيئة وكونها مشكلات عابرة للحدود ولا تتوقف تأثيراتها على المستوى المحلي فقط بما يتطلب أن يتكاتف العالم بأسره لحلها وطرح المؤلف موقف العرب في العالم المعاصر والذي تتأرجح الآراء بين كونه عالم قطب واحد تحكمه الولاياتالمتحدةالأمريكية ولكن بالمنافسة مع القوى الأوروبية المتعددة، واختتم المؤلف الفصل بالحديث عن العالم العربي بين الأصوليات والتحديث مفصلاً طبيعة ومفردات التيار الأصولي وأهمية أن يسود تيار العقلنة والتسامح والاعتدال.. وتحت عنوان «التفاعلات الإقليمية» يتناول الفصل الثاني الحديث عن الصراعات والنزاعات السياسية الداخلية في المنطقة العربية مستعرضًا أهم الصراعات منها قضية فلسطين، والصحراء المغربية كما تناول المؤلف في هذا الفصل فكرة التكامل الاقتصادي العربي بين الواقع والإمكانية، طارحًا مشروعي منطقة التجارة الحرة العربية والاتحاد الجمركي العربي كما استعرض التحديات التي تقف عائقًا أمام تحقيق هذا التكامل الاقتصادي بين الدول العربية، ويختتم المؤلف الفصل بالحديث عن علاقة التفاعلات الإقليمية بقضية الفقر في العالم العربي.. ركز المؤلف في الفصل الثالث والذي جاء تحت عنوان «المواطن والدولة والمجتمع» على الحريات والحقوق المدنية بين التشريع والممارسة محللاً الحريات والحقوق المدنية في العالم العربي مع إلقاء الضوء على بعض الممارسات السياسية كما استعرض دور تفاعل الأجيال في صناعة المستقبل بهدف الانتقال من فكرة صراع الأجيال إلى العلاقة البناءة بين الشباب والكبار كما تناول أيضًا الحديث عن مكانة المرأة في مجتمعاتنا العربية وتحدث كذلك عن ذوي الاحتياجات الخاصة وضرورة مساعدتهم على الإندماج في المجتمع في إطار المواطنة. في الفصل الرابع، «الثقافة والإعلام في العالم العربي»، تناول المؤلف موضوعات تتعلق بالخطاب الديني وتحديات العصر مع طرح واقع المسلمين ومكانتهم في العالم المعاصر ودور الخطاب الديني في تشكيل الوعي في ظل المفردات الجديدة التي تفرضها العولمة مع عرض لتأثيرات الفجوة بين الخطاب الديني والخطاب القومي وعرض الجزائر كنموذج لهذه الفكرة كما استعرض الفصل كون الخطاب الإعلامي سلاحا ذو حدين وذلك في الثورة المعرفية التي يعيشها العالم اليوم مركزًا على الثقافة الفنية ومكانتها بين القومية والعالمية كما استعرض المؤلف عددًا من الأفكار المتنوعة حول الخوف من الغزو الثقافي إعلاميًا طارحًا إشكالية الثقافة العربية بين القومية والعالمية.. وقد أكد المؤلف أن الخوف من الأقمار الصناعية وعصر الكونية كان دائمًا ولم يقتصر على دول العالم الثالث التي تحسبت على نفسها من المنافسة ولكن كان هناك تخوف لدى بعض الدول المتقدمة وعلى رأسها فرنسا بكل غناها الثقافي وحجمها ووزنها الثقافي على مستوى العالم، فقد كانت تخشى الغزو الأمريكي الثقافي. وفي النهاية يرى المؤلف أن ثقافتنا العربية غنية وليس بالمستحيل أن نواجه الغزو الخارجي إلا أن واقعنا الثقافي الراهن تسوده الثقافة الخرافية على حساب ثقافة التنوير والعمق وثقافة لانصياع على ثقافة الاجتهاد وثقافة التعصب على ثقافة التسامح فضلا عن أن وضع المثقف المصري ضعيف في كافة الثقافات لأنه يقع تحت أنواع كبيرة من الضغوط والإرهاب والفكر والأصولي.