الأحد 13 أكتوبر 2013 07:26 مساءً قلمي جندي هارب من الخدمة الاجبارية،ربما لأنني أعي جيدا،أن وطني ذات الثقافة العالية،أضحى حلبة صراع،لا بل صحراء من الاسفلت،وأنني من بدوه الرحل في عصر الفضاء....ذلك بالضبط ما أحسست به،مشهد مروع لن أنساه،اطلق شاب النار في صبيحة الأمس أثناء المليونية الثامنة للاحتفال باليوبيل الذهبي لثورة 14 من أكتوبر،لم يكن يعرف هذا الشاب أن "كوكتيل العنف" يتم توزيعه بالمجان،وبأسرع مما يعتقد...قد اتفهم كل التهم التي نُسبت إليه:عميل،امن قومي،مندس،يريد إفشال المليونية،لكنني لست مع الضرب المبرح حد الموت!! وهكذا التهبتُ حماساً،وملايين الافكار تقطن في رأسي،وانا في طريقي إلى مرتفعات"الحضارة والثقافة"،حيث المضارب الرئيسية لامبراطورية"الثورة" العريقة،حيث الثوار الحقيقين،حيث أجدادنا،حيث ملاحم البطولة الحقة،حيث أبطال ثورتي أكتوبر ونوفمبر...أحسستني أنبض بتضحيات الشباب،أنبض بصرخات الأم المفجوعة بولدها،أنبض بهتافات الجماهير الحماسية،أنبض بتاريخ الجنوب،أنبض بالمغامرة،بمفاجآت منتظرة غامضة،ولكن لم يدر بخلدي أني سأعود من مضارب الثورة،وقد اكتشفت بعض ذاتي الحقيقية عبر اكتشافي لهم،وأن معرفتي بهم ستكون بمثابة مرآة،أرى في وضوحها مدلول الثورة الحقيقية،الخالية من التنافضات والخلافات التافهة. في العودة إلى تاريخ الجنوب سوف نجد ان هذا التناحر الداخلي الموجود في ذات كل فرد جنوبي، سوف نجد انه كان موجودا حتى في زمن اجدادنا، هذا التناحر يؤدي إلى حس بالضياع والحيرة والقلق سببه انقطاعنا عن جذور ماض كان،هذا الانقطاع عن الجذور الجنوبية تولد عنه تناقض في الشخصة الجنوبية،تناقض بين ماض جنوبي مزدهر على الاقل بالنسبة لنا،وبين حاضر يمني مزري ومتدهور...كثيرون لا يعون ذلك،لديهم إحساس غامض بأن هناك خطأ ما،لكنهم لا يملكون المقدرة الفكرية على اكتشاف مدلوله،فيعايشون تناقضهم،ثم يألفونه،ثم يستميتون في الدفاع عن أشياء ازدواجية وغير منطقية...ولكن من أعظم ماهزني في أجدادنا هو الجرأة على الاعتراف بواقعهم،ووعيهم به،ومواجهتهم له،بل وبحثهم عن حل واقعي لمشكلتهم تلك،التي هي ابرز ما يعانيه الفرد الجنوبي المعاصر من عقبات. من جديد أجدني مرغما على التذكير بأن زمن البطولات الوهمية قد انتهى،وأن التاريخ لديه"مزبلة كبيرة" ولكن لديه"كتابا ذهبيا"،والوصول إليهما يكون عبر طريق واحد،إلا أن الفرق يكون في طهارة ونظافة الدرب الذي سلكته،وبالتاكيد المزبلة هي المكان المناسب لمن اتخذ الطرق القذرة....