نعيش في هذه الأيام المباركة في ظل موسم عظيم من مواسم العطاء الرباني.. حيث تظلنا أيام معظمة أقسم الله تعالى بها في كتابه الكريم، وأكّد على فضلها النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم، فقال: «ما من أيام، العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام» يعني العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلاّ رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء»! إذًا فهذه أيام ينبغي على الحريص أن يتفنن فيها بأصناف الطاعات من صلاة وصيام وصدقة وإطعام وبذل للمعروف.. لكن لا ننسى أن من أعظم الطاعات نفع الناس كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الخلق عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله»، فكيف إذا كانوا وفد الله وضيوفه وحجاج بيته المعظم؟! إن الأجر ليتضاعف بخدمة هؤلاء الكرام، فهم من عيال الله، وهم حجاج بيت الله، وخدمتهم حاصلة في أيام معظمة، وبلد معظم، فهذه مضاعفات فوق مضاعفات.. وما أعظم سعادة القلب حين تعين حاجًا ولو بأبسط الأمور، تروي عطشه، أو تعينه في حمل متاعه، أو تدله على مقصده، أو توصله إلى مكانه، أو تبتسم في وجهه فتدخل إلى نفسه الراحة والبهجة، أو تتلطف معه في المعاملة والكلام.. ومع أن كل ذلك من الأمور البسيطة إلاّ أنها ثقيلة عظيمة عند الله سبحانه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا؛ ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد -يعني مسجد المدينة- شهرًا». إن ديننا الحنيف علّمنا أن الجزاء من جنس العمل، فإن أكرمت ضيف الله أكرمك الله، وإن أسعدت ضيف الله الله أسعدك الله، وإن أعنت ضيف الله أعانك الله.. فإذًا خدمة هؤلاء الحجيج فرصة عظيمة للتقرّب إلى الله تعالى، وخدمتهم وسيلة إلى استجلاب رحمات الله وكرمه ومحبته، ألا ترى أنك إذا أكرمت ضيوف ملك من الملوك استحققت بذلك قربه ورضاه؟ فكيف إذا أكرمنا ضيوف ملك الملوك جل جلاله؟! إذًا فنحن نتعامل مع الله، ونتقرب إليه، ونستجلب رضاه من خلال خدمة وفده وحجاج بيته، فلنتخذ خدمتنا لهم طاعة لله، ولنستشعر في ذلك معنى التقرب إلى الله سبحانه وتعالى. فأهلًا وسهلًا ومرحبًا بضيوف كرام.. خدمتهم طاعة للرحمن، وخدمتهم فوز ورضوان، وهنيئًا لنا إذ أكرمنا الله وشرّفنا بهذا المنصب الجليل، ونسأل الله تعالى أن يعيننا على أداء هذه المهام على الوجه الذي يرضيه سبحانه، ونسأله جل في علاه أن يعين كل القائمين على خدمة ضيوف الرحمن، وأن يمدّهم بتوفيقه، وخصوصًا حامل راية هذه المسيرة خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين، وسمو النائب الثاني، وكافة العاملين من جميع الجهات في خدمة ضيوف الرحمن، مع الدعاء أيضًا لكافة العاملين من جميع الجهات في خدمة الحجاج، وأن يجزي الجميع خير الجزاء، ويجزل لهم المثوبة والكفاء، وأن يجعل حج هذا العام حجًا طيبًا مباركًا آمنًا مطمئنًا، ويتقبل من الحجاج حجهم، ويعيدهم إلى أوطانهم بعد أداء مناسكهم سالمين غانمين، بالخيرات محملين. ورحم الله الشاعر الذي صوّر مشاعر الحجاج في هذه الرحاب الطاهرة حيث قال: يا لعبد طاف في السحر حول بيت الله والحجر وانجلى البيت العتيق له فهو ملء القلب والبصر كلما دار المطاف به قال هذي هالة القمر ثم صلى في المقام وفي مهبط الآيات والسور وارتوى من ماء زمزمه واشتفى في الورد والصدر ثم لبى واشرأب إلى عرفات غير ذي أشر فرأى من حسنها عجبًا من قضاء الله والقدر ملأ الحجاج ساحتها بوجوه سمحة غرر والتقوا من كل ناحية عبرة من أعظم العبر شربوا من مائها غدقًا واستقوا صفوًا بلا كدر ذاكرين اليوم ثم لكم دينكم في أروع الصور وأفاضوا في العشي إلى قزح في مشعر الظفر بات رب العرش يكلؤهم بالرضا والعفو والنظر ثم ساروا قاصدين منى في قضاء النسك والوطر ورموا فيها الحصى ومضوا ينحرون الهدى بالأثر أصلح المولى بواطنهم وحماها كارث الغير غسل المولى ظواهرهم من قذى الأيام بالمطر وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. * وكيل وزارة الحج