إصلاح ما فسد أصعب من إفساد ما صلح، يصدق هذا على عمليات إعادة الهيكلة إلى اقتصاديات السوق بعد تجربة اشتراكية، فخصخصة قطاع عام كبير بغية استعادة كفاءته الاقتصادية، وتقليص صور الدعم المتفشية في قطاعات التعليم والصحة وأسواق السلع، أمور لا يقدم عليها بخفة لما لها من انعكاسات اجتماعية موجعة، هذا ما واجهه عهد الرئيس مبارك طوال آخر عقدين من القرن الميلادي الماضي، شكل من الدواء الموجع لا بد أن يتجرّعه مريض طال صبره على المواجع. أُذكِّرك بأن هذه المقالات (هذا هو السابع بينها) عن عهد مبارك، لا بغرض الدعاية له أو ضده، إنما بغية تفسير الجاري من وجهة نظر الكاتب، فإن اصطف تفسيره عرضيا مع أو ضد فليس ذلك المقصود.. أجدني مبدئيًا معنيًا بالإجابة على تساؤل: كيف تؤدي سياسات سليمة التوجه والخيار إلى تذمّر ورفض شعبي واسع النطاق، لا زالت مصر تعاني تداعياته على مدى 3 سنوات.. لا يرجع هذا إلى آلام الدواء، فاللا شعور الجمعى أذكى من أن لا يميز بين الموجع الضروري والموجع بلا ضرورة، خاصة، وقد تضافرت عوامل عدة على تخفيف آلام العلاج وجعله محتملاً، مثل التوسع في القطاع السياحي وارتفاع نسبة مساهمته في الدخل القومي، واستيعابه لجزء كبير من فائض العمالة (سواء التقليدي المزمن أو الفائض الراجع إلى إعادة هيكلة قوة العمل) خاصة بين الطبقة المتوسطة مناط التبرم، ومثل ارتفاع حصيلة تحويلات العاملين فى الخارج، وتعاون الدعم الدولى المعني بإنجاح مساعي الإصلاح الاقتصادي، ساعد كل هذا على النجاح، وقلل متاعب إعادة الهيكلة.. لاحظ أنِّي أتحدّث عن العهد لا عن الرئيس، في التفكير الشرقي يستحيل تقريبًا الفصل بينهما بسبب الموروث الثقافي السياسي، رغم أنهما منفصلان، فالتجارب والتغيّرات الاجتماعية تديرها النخب لا الرئيس، التي نادرًا ما تبدو شخوصها للرأي العام، لأنها متبدلة تجيء وتذهب، تظهر وتختفي، لا أهمية حقيقية للنخبة كأشخاص إنما للتوجهات والسياسات التي قررتها النخبة مع الرئيس، وهما مسؤولان عنها مسؤولية كاملة، أما الأداء فمسؤليتهما عنه غير مباشرة، لأنه متوقف على بيئة العمل، القادرة على تشويه السياسات الصحيحة. مسؤولية النخب عن بيئة حركتها غير مباشرة، لأنها لم تصنع بيئتها، صنعتها تركيبة من الموروث الثقافى الذي تختص به جماعة من الناس، والغرائز الإنسانية العامة لدى كل البشر، واقع الأمر أن النخب والرئيس ضحايا لهذه البيئة مثلهم مثل من بقاع السلم الاجتماعي، إلا أنهم ليسوا بريئين أيضًا من المسؤولية غير المباشرة عنها (ولا من بالقاع بريء)، لأنهم أكثر الفئات قدرة على تغييرها في الأجل الأبعد، وهي لا تتغير في الأجل الأقرب بقرارات، لو أنها تتغير بقرارات لأصبحت مسؤولية النخب عنها كاملة، إنما بالتجاوب الإيجابي للقرارات مع متطلبات التحديث النابعة من تكيفات المجتمع مع تطوراته، لذلك حقيقة الأمر أن المجتمع هو الذي يوحي متى وكيف تصبح القرارات ضرورية. ولا يتعرض المسار لأزمة إلا عندما تتجاهل النخبة أن هذا هو الوقت وهذا هو المطلوب، عدم الإنصات الواعي لذلك ما أعاق التجربة المصرية منذ الحرب العالمية الثانية إلى اليوم. [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (32) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain