أ. د. محمد خضر عريف الذي يزور دولة جنوب إفريقيا بين الفينة والفينة يدرك سوء الأحوال في كثير من الدول العربية التي تتدهور أوضاعها يومًا تلوالآخر دون بارقة أمل مضيئة واحدة في نهاية النفق المظلم. دولة جنوب إفريقيا تقبع في آخر نقطة من العالم كما ظن فاسكو دي غاما وغيره، وتفصل بين محيطين عظيمين: الأطلسي والهندي وكأن وجود نقطة الفصل في مياهها الإقليمية سواء كانت في (كيب تاون) أوفي منطقة تبعد عنها بمائتي كيلومتر كما أثبت العلم الحديث، كأن هذه النقطة فيها تشير إلى ما كانت تعاني منه أويعاني سكانها الأصليون تحديدًا على مدى قرون طويلة من فصل عنصري وعرقي. منذ عهد الرق وحتى ما بعد مانديلا وكما يصعب تحديد نقطة الفصل بين المحيطين اليوم أو قد يلتبس، فكذلك يصعب تحديد بقايا الفصل العنصري بعد قرابة عقدين على انتهائه المزعوم في جنوب إفريقيا. ورغم ما يذكره السود والملونون (والملونون مصطلح غير واضح الدلالة في ذلك البلد) رغم ذلك كله، فإن أحدًا من السود أوالملونين لا يستطيع أن يمجد كل نعم الاستقرار والرغد والتقدم والازدهار الاقتصادي التي تعيشها البلاد بطولها وعرضها، فرحالة مثلي يستطيع أن يؤكد أن هذا البلد الأسمر تفوق على كثير من البلاد البيض في كثير من الاشياء، منها استقراره السياسي وازدهاره الاقتصادي وتنوع مصادر دخله، واحترام حقوق الإنسان فيه إلى أبعد حد، واهتمامه بالصحة والتعليم، وسلامة البنية التحتية في كل المدن والقرى والأحياء الفقيرة منها والغنية، حتى أن أحد الفقراء قال لي إنه يدفع الضرائب وهو سعيد للغاية لأنه يعلم أنها ستعود عليه بالنفع حتمًا قال ذلك حين زرنا بعض الأحياء العشوائية في مدينة كيب تاون ورأينا مجموعة من المباني الحديثة التي تقيمها الحكومة بدل الأكواخ والعشش التي كان يعيش فيها بعض الناس، بحيث إن السكان يخلون مساكنهم العشوائية لفترة حتى تنتهي الجهات المسؤولة من إزالتها وبناء وحدات حديثة لهم بها جميع الخدمات لينتقلوا إليها مجددًا بعد تمليكها لهم قانونيًا. ناهيك عما قرأت عنه من صناعة للسيارات وصناعات أخرى، وزراعة ناجحة تصدّر إلى جميع أنحاء العالم ومنها بلادنا، وتعليم راقي المستوى في كل المراحل وقد يزعم البعض أن الفضل في ذلك يعود إلى الرجل الأبيض الذي بنى كل هذه المؤسسات وحقق كل هذه الإنجازات، وذلك صحيح نسبيًا، ولكن لا بد من أن نلحظ أنه بعد انتهاء حكم البيض المطلق بعشرين عامًا لا يزال هذا البلد يحافظ على مستواه الحضاري المرموق بل يزداد تقدمًا وازدهارًا. ومن الأمور اللافتة التي لا بد من التركيز عليها في هذه المقالة أن المسلمين في جنوب إفريقيا يحصلون على كل حقوقهم كاملة غير منقوصة ويمارسون شعائرهم بكل دعة واطمئنان ويلقون من جميع الطوائف الأخرى كل احترام وتقدير، ورغم أنهم أقلية ضئيلة جدًا لا تتجاوز 2% إلا أن المساجد تنتشر في كل المدن بكثافة، ويسمح بالأذان باستخدام مكبرات الصوت في مجملها - دون أذان الفجر- وتنتشر المطاعم والمحال التي تقدم الأطعمة (الحلال) وتذكر ذلك في يافطاتها، ويستطيع كل مسلم أن يتجول بزي إسلامي، بمن في ذلك النساء اللاتي يضعن الحجاب أوالنقاب ناهيك عن أي مظهر إسلامي آخر، وكل ذلك دون أي مضايقة، لذلك كان الواحد منا يتمنى لوأنه أحضر ما يكفي من زيه الوطني لأنه لا يلفت الأنظار ولا يسبب أي مضايقات، وأحسب أن مقدار الحرية التي ينعم بها المسلمون في هذا البلد البعيد، أكثر بكثير مما يحصلون عليه في أوطانهم بل لا وجه للمقارنة، إذ الإسلام أصبح تهمة في حد ذاته في بعض البلدان الإسلامية والعربية والتزيي بالزي الإسلامي بات منقصة أو مخالفة للقانون، وارتياد المساجد أصبح مدعاة للشك والريبة الخ. مع ملاحظة أن كل ذلك يحدث في جو من التخلف السياسي والاقتصادي والعلمي والحضاري إلى آخر القائمة. ومن المؤلم حقًا أن نلمس هذه الهوة السحيقة بين دولة إفريقية وبين كثير من الدول الإسلامية والعربية. بقي أن نذكر أن هيئاتنا الإسلامية المنطلقة من بلاد الحرمين الشريفين لها نشاط يبعث على الإعجاب والفرح في تلك البلاد البكر إن جاز التعبير فيما يتصل بالدعوة الإسلامية. ومن أبرز هذه الهيئات: هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية التي افتتحت مكتبًا إقليميًا لها مؤخرًا في مدينة (دربن) الساحرة ليكون مسؤولًا عن دول الجنوب الإفريقي مجتمعة وليس دولة جنوب إفريقيا فقط، ويديره وأحد من أبرز رجال العمل الإسلامي في إفريقيا كلها هوالشيخ وليد السعدي وقد نفذت الهيئة خلال موسم الحج لهذا العام مشروعًا كبيرًا للأضاحي غطى معظم دول الجنوب الإفريقي. وما تزال هذه البلاد الرائعة تشكل مجالًا خصبًا لنشر الدعوة الإسلامية التي نتمنى أن تكون للمملكة فيها قصب السبق والقدح المعلى كما هي الحال دومًا. [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (53) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain