عبدالقوي الشامي تكاد الإغراءات المادية ترسم خطاً فاصلاً بين إنكماش موقف المحاورالجنوبي وتمدده في مؤتمر الحوار الوطني بما يشير الى أن: الرحلة التي أنطلقت من فندق (جولد مور) عدن, الى (موفمبيك) صنعاء, كانت الى المجهول. وأنه في خضم الإنتقال بالحراك من الساحات الى القاعات, تهافتت بوصلة البعض, ليفقد عذريته الجنوبية, حد الإبتذال الذي يدعو للسخرية. على هذه الخلفية يمكن القول أنه من غير المؤكد, أن يكون النشاط المكثف الذي قام به الرئيس هادي في الجنوب خلال إجازة عيد الأضح بالأساس يخدم موقفه في وجه مراكز القوى الشمالية, إلا أن المؤكد يبدو في شتاتٍ لحق بالجهد الجنوبي المحاور, وكَسِّرٍ في الإصرار على بقاء الجنوب كتلة ديموغرافية واحدة موحدة. وفي الآن لا يمكن تقييم موقف الرئيس من القضية الجنوبية, بمعزل عن ما كان, بإعتباره من قاد حملة إحتلال الجنوب, من موقعة كوزيراً للدفاع, وما أبدآه آنئذ من تعامل مع مسقط رأسه كدار حرب. مع الأخذ بالإعتبار: أنه لو لم يكُ حينئذ في موقعه ذاك, لما سَّوقِت حرب صيف 94م, في كواليس مجلس الأمن الدولي كحرب أهلية. ولأنتقل الموقف من الدعوة في القرارين 921 و931 الى الإلزام. كما إنه لو لم يَكُ لاحقاً في موقع النائب ل(صالح) لانتقل المجلس في الموقف من بيانٍ رئاسي, الى قرارٍ يتبني حق تقريرالمصير للشعب الجنوبي. كما الحقيقة التاريخية تقول: إن إختيار هادي نائباً لصالح جاء مكافأةً لما أجترحه الأخير في تلك الحرب الظالمة. لذا, فأي تناول لمفردات نشوء القضية الجنوبية, لا يضع هذا في الإعتبار, لن يكون موضوعياً. فالرجل لا يملك ميزة رئاسية سوى جنوبيته, ولا أفضلية تؤهلة للبقاء في سدة الحكم غير هذه الأرض المعطاءة, وإذا سقطت في الشرك المنصوب في ال(موفمبيك) سقط هو وجماعته. فبعد أن قدم: المعادل الجنوبي المنقذ للوحدة من موقعه كوزيراً للدفاع في تلك الحرب التي خُضيت جنباً الى جنب مع الأفغان العرب, يقدم اليوم بمساعدة المال السياسي وبعض الأدوات المسروقة بوجاهة المنصب.. يقدمون اليوم المعادل الجنوبي للوحدة على قاعدة الأرادة الجمعية المُتفندِقَه في العاصمة صنعاء.. لسنا هنا بصدد القدح في سيرة الرجل وأدواته أو الذم لمواقفهم, فلهم الحق في الأقدام عما يروه حقاً. كما للأخرين الحق في الفهم الحق لما يدور في كواليس قبائل العسكر والأحزاب في صنعاء. والبدهية تقول بأنه لولا الحراك الشعبي السلمي, لما فُرشت السجادة الحمراء أو الخضراء, لأي جنوبي في صنعاء, وتقول أيضاً أنه: لو طويت صفحة الحراك فستطوى السجاجيد بمختلف ألوانها, وستقفل كل حنفيات المال السياسي المفتوحة اليوم على الأخر. ولن تبقى سوى سجادة وحَنَفْيَة الدم الجنوبي. لذا وجب التنبيه قبل إن يجد المرء نفسه لآجئاً ممنوعاً من الصرف, في بلدٍ جارٍ, أو مناضلاً عن بعد, يدعوا الى الإستقلال من خلال ال(فيديو كونفرنس) أو يوجه مجاميعه من خلال ال(ريموت كونترول). ومن هذه القاعدة يمكن القول: أن كل ما صدر عن الرئيس هادي لا يدل على أنه بقناعته الذاتية, أو أن لاعلاقة له بالرئيس السابق, فالأول يملك سلطة إصدار القرارات بقوة الدستور, فيما الثاني يملك سلطة التنفيذ بقوة السلاح ولشيوخ القبائل قوة التسويق الإجتماعي لتلك القرارات بقوة الأمر الواقع, أي إن الأمور, داخلةٌ في بعضها, ولا تنفصل إلا في عقول إصحاب الإمنيات البريئة من البراءة في الجنوب. فالإجراءات الرئاسية من قبيل التعمق في هيكلة الجيش, والإصلاح الوظيفي في مؤسسات الدولة, التي كادت تتخطى المسموح, او التنفيذ للنقاط العشرين, في إطار جبر الضرر, تم تجميده عند حدود الشكليات. كونه نتاج الحلقه الأضعف في القوى الثلاث أعلاه. كما حال الحلول العادلة للقضية الجنوبية من غير المسموح لها, بالحوار أوبغيره, أن تتخطي حدود المذكرة التفسيرية المزمنة التي أبرمها الرئيس السابق مع(الزعيم) الحالي.أما الإشتباك مع الماضي فيدخل في حدود المحضورات. لذا لم تك بادرة القطيعة التي أعلنها الرئيس هادي, في تهنئته المتلفزة عبر(قناة اليمن) عشية الذكرى ال50 لثورة سبتمبر, لم تك مقنعة كونها أتت من قبل من حاز على إجماع ثقة محصلة ثقافة الحكم للثلاثة العقود الأخيرة. لذا من البراءة القول بإن ما تضمنته تلك التهنئة الرئاسية من تلميحات, تدين مثالب نصف قرن, ومن إدانة ضمنية لجهود التوريث, من البراءة القول بها فلسفة رئاسة قشيبةً. وليس أدل على ذلك ما لحق بنصال التهديد بالغاء قانون العزل السياسي ليس لإصطدامه بالدستور وحسب, وإنما لإن الحالي مرتبط بالسابق, وعضوياً يمكن مقارنة العلاقة بينهما بعلاقة (بوتين - مدفيديف) في روسيا مع فارق ال(أتمسفير)الإجتماعي والسياسي في البلدين, الذي أستوجب سيناريو مغاير الى حدٍ ما, وبالتالي فما ينطبق على الأول يسري على الثاني, وإن كان الذنب المقترف شخصياً, فبالتراتبية نتائجه تعم ولا تخص. صحيح الكل يتربص بالكل. لكن المرحلة والمصالح تفرض الكل على الكل, وهذا ما يُفهم من حديث (الزعيم) صالح لتلفزيونيه قناة (أزال) في 26 الماضي, ذاك الحديث الذي أراده دحضاً لشائعات إحتضاره, لكنه جاء (تبشيراً) بقرب إنتهاء إستراحة المحارب التي حددها لنفسه في الأتفاقية الخليجية. وبقرب عودة الأمور, ليس بالضرورة بشخصه وإنما بمضمون النصاب الذي ساد قبل فبراير 2011. من هذا الخضم إحساسٌ يتملك المرء لتصديق ما إدعاه, في ذاك الحديث: أن إنفجار جامع النهدين يقف وراءه الأخوان. فهكذا إدعاء, يتسق مع مستجدات الأحداث على المستويين الداخلي والخارجي, فالأخوان بإذرعهم المليشاوية المتنوعة, وبحصانة الإعتقاد بالفرقة الناجية, هم من يمتلك جراءة الإقدام على بيوت الله, كما وأن الدماء التي سُفكت في صينية محراب رسول الله, سَفَكَتْ دماءً في عموم الوطن, والجراح التي اُلحِقَتْ بجسد الطاغية, اَلحَقَتْ جراحاً بمختلف أنحاء البلد, أما حروق البشرة الرئاسية فأشعلت حرائق بكل مكان, بما يؤكد أن الكل في المغنم والمغرم, مربوط بالكل, يتبادلون الضربات والتهديدات, دون القطيعة, لأن فيها خسارتهم جميعاً وهذا ملخص ما يدور اليوم من حروب فَندقية في العاصمة صنعاء. إجمالاً يمكن القول بأن المؤتمر الحواري الذي إجتذب بعضٍ الشخصيات الجنوبية, التي تعاني من عُسِّرٍ ما, لن يكون المحطة الأخيرة في الحراك الشعبي السلمي, بل سيمثل حالة إشتباك جديدة تقوى إرادة النضال السلمي حتى الرضوخ للإرادة الجنوبية العامة. فإرادات الشعوب لا تقهر, ولا تسقطها إرادات الأفراد او مخرجات حوارٍ أدُير بالأصالة عن أصحابه. مُخرجاتٌ لن تكون ملزمه سوى لمُخرجيها وإن تجاوزت تكاليفها ال8 مليار. فهنيئاً للبعض هذا التعري والإنكشاف المادي, أما الجنوب فيقيني ببراءته من جهود (ميدفيديف), ومن محصلة جهود ال 8 بإصفارها ال 9.