كتب صديق الفيس بوك الأخ عبدالعزيزالصويغ مقالًا بعنوان: «تعليق على تعليق» بدأه بالإشارة إلى ما كتبته على فيديو نشره على تلك الصفحة الافتراضية بعنوان: «باكستاني من مواليد السعودية تم ترحيله في حملة الجوازات فقام بالانتحار»، وكان تعليقي «ما دام أنه انتحر، فلا يستحق أن يكون سعوديًا. وليتبعه أمثاله في ذات الطريق»، ووصف الكاتب تعليقي ب»القسوة» و»الشوفونية». وبما أن الأخ عبدالعزيز تناولني في مقالته ونعتني بتلك الأوصاف، ثم حاضرني عن حب الوطن، فأرى أنه من حقي أن أرد عليه في ذات الجريدة والمكان. ولهذا الرد جانبان. فمن الناحية الشكلية، كان تعليقي عن منح الجنسية للمواليد من الأجانب في المملكة. بينما اختار الكاتب أن تكون فكرة المقال الأساسية هي الانتحار، ثم ختم المقالة بفكرة أخرى لتتناول موضوعًا مختلفًا وهو حب الوطن. ولو تجاوزت أن المقالة ينبغي أن تكون عن الجنسية السعودية، فإن الكتابة الرصينة تقضي أن تكون العبارات مرتبطة بفكرة واحدة، وتتدرج بشكل منطقي لتنتهي برأي جامع يرتبط - بأي طريقة - بالانتحار، ولكنه ختم المقالة بدرس عن حب الوطن، مما جعل هذا الإقحام لا يتسق مع الفكرة الأساسية، فكان الرأي في غير محله ولا علاقة له لا بالجنسية السعودية ولا بالانتحار، فظهر مضطربًا. ومن جانب آخر، زعم الكاتب أن الانتحار ظاهرة في المجتمع السعودي ولكنه ينكرها، ويعمل على تجاهلها واخفائها وكأن «السعوديين ملائكة لا يأتيهم الباطل من بين يديهم ولا من خلفهم؟!» (علامتي الاستفهام والتعجب من عنده)، بينما اعتمد لتأييد فكرة المقالة على إحصائية صدرت عن «وزارة الداخلية» وإلى دراستين عن الانتحار من إعداد باحثيْن في «جامعة الملك سعود». وأتساءل كيف حصل على هذه الاحصائية والدراسات العلمية التي من المفترض أن تكون غير معلنة/ سرية - على حد زعمه!!! مما يعني أنها منشورة ومكشوفة للعيان لمن أراد أن يستفيد منها في كتابة مقالة متزنة أو إعداد بحث علمي متماسك ومفيد. لذا فإن المجتمع ومؤسساته لم تنكر حالات الانتحار، بل إنها نشرت مقالته عن هذه المشكلة الشنيعة، التي يزعم أن المجتمع ينكرها. أما الجانب الموضوعي فهو عن استخدام الإحصاءات ودرس حب الوطن فالإحصاءات هي مجرد أرقام منثورة تكتسب معنى عندما يفسرها الباحث حسب فرضيات أو تساؤلات الدراسة. وذكر أن تلك المصادر الحكومية تشير إلى أن غالبية من أزهقوا أرواحهم كانوا من «الجنسية» السعودية وليسوا من الأجانب، وأن أهم أسباب الانتحار هي: المرض النفسي وضعف الوازع الديني إلا أنه قلل من أهمية الحالة النفسية مستندًا على دراسات غير سعودية وبالتالي حالات لها ظروف مختلفة، وفاته أن معظم المدروسين في السعودية لهم سوابق في تعاطي أو إدمان المخدرات، والتي تؤثر في الحالتين النفسية والعقلية والتي قد تقود إلى الانتحار، كما أنه يرى أن هذه المشكلة يجبرها المجتمع إلى جهة ثالثة، ويعد هذا التصرف «رفاهية»، فينبغي أن يقر بها. وعن الوطن، فقد نصحني الكاتب من خلال نافذته، قائلًا: «حب الوطن لا ينبغي أن يكون حبًا عذريًا نكتفي فيه بالكلام والغزل، بل لا بد أن يكون حبًا بالفعل والممارسة حتى يعرف الوطن قدره ومكانته». وعملًا بهذه النصيحة فإنني سأتخلى عن أن أكون شخصًا انطباعيًا حالمًا بحب عذري، وسأكف عن تقليد الرجل الأوروبي الأبيض الذي نصب نفسه مسؤولًا عن تمدين وتحضير أصحاب البشرة الداكنة في مستعمراته وتخليصهم من «قسوتهم» لقناعته بأنها عبء على أكتافه (The White Man Burden) ويفصح عنها وهو يحمل سيجارًا فاخرًا بين إصبعيه وهذا بالطبع سلوك المترف المشبع يدل على شيفونية بغيضة. سأتمسك بقاعدة فطرية «كل إنسان يستحق الاحترام والنجدة» بما فيهم الضيوف من الأجانب لأن احترام الناس سلوك مبدئي وتلقائي في العلاقات الإنسانية، ولا يوجد مبرر فطري معقول أن يحرم أي إنسان من هذا الحق. ولكن هذا الاحترام يصبح عزيزًا عندما لا يصون هذا الإنسان حق الآخرين في أن يعاملهم - أيضا - باحترام، فالضيف يجب أن يراعي قواعد وأحكام الضيافة، والأجانب هم ضيوف في بلادنا، ومن مظاهر احترام البلاد وأهلها الالتزام بالقوانين والأنظمة ومراعاة عادات وتقاليد ونواميس أهلها، ولكن كثير منهم تجاوز كل ما يمكن أن يتصوره المنطق السوي لما يمكن أن يفعله الضيف، حيث استمرؤوا خرق القوانين بأنواعها (القتل والسرقة وخيانة الأمانة والاغتصاب والتحرش الجنسي بالنساء والأطفال)، كما تجرؤوا على استباحة تقاليد وحرمات المجتمع غير مكترثين بأحد. بالإضافة إلى أن غالبية الأجانب من العالم الثالث فجلب كثير منهم عاهات ومشكلات ذلك العالم، فظهرت إفرازات قيمهم الثقافية في تعاملاتهم اليومية وفي سلوكهم في بيوتنا ومدارسنا وشوارعنا وأماكن عملنا. فهؤلاء الضيوف إذًا لم يقدموا قيمًا حضارية أو ثقافية ايجابية يستفيد منها المجتمع السعودي إنما شوهوه. وقد سنت القوانين لحماية حقوق الجميع سواء من المواطنين أو المقيمين ومن لا يحترمها فهو لا يحترم البلاد ولا أهلها ولا يستحق احترامهم، ويصبح شخصًا غير مرغوب فيه، ويجب أن يبعد بأي طريقة لأنه أصبح خطرًا على المجتمع لا يؤمن جانبه ولا يمكن الثقة فيه. د. عبدالرحمن بن عبدالله الزهيان - جدة