بقلم /حسين صالح غالب السعدي الإيمان باليوم الآخر له أثر في صلاح القلوب وصلاح الناس وسعادتهم في الدنيا والآخرة ، ونسيان ذلك اليوم العظيم والغفلة عنه خطر على حياة الناس ومصيرهم ، وإذا كان الكتاب والسنة الصحيحة قد اهتما غاية الاهتمام بتفاصيل ذلك اليوم المشهود وبأحوال هذا النبأ العظيم ؛ فإنه من الحمق والجهل ألا نهتم به غاية الإهتمام . فانفتاح الدنيا الشديد على كثير من الناس في هذا الزمان وما صحب ذلك من مكر بأساليب جديدة ودعايات خبيثة تزين الدنيا في أعين الناس وتصدهم عن الآخرة ، ومع ما كان عليه صحابة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من الإيمان والتقوى ، فقد كان يحذرهم من الاغترار بالدنيا وضرورة الاستعداد للآخرة ، مع أن الدنيا لم تنفتح عليهم مثل اليوم ، فلا شك ولا ريب أننا أحوج منهم بكثير إلى أن نتذكر الآخرة ويذكّر بعضنا بعضاً بعظمة شأنها وأهمية الاستعداد لها. وركون الكثير منا إلى الدنيا الفانية سبّب ذلك الى قسوة القلوب وتحجر العيون وهُجر كتاب الله وقل الخاشعون والمطمئنون . في عصرنا اليوم ظهرت المشكلات المعقدة والأمراض المزمنة بسبب التعلق بالدنيا الفانية وعدم تعلق القلب بالآخرة ، في أيامنا كثرة المظالم واعتداء الناس بعضهم على بعض من أكلٍ الأموال بدون وجه حق ، وكذلك النيل من الأعراض ، والحسد والتباغض ، والفرقة والاختلاف فلا شيء مثل تذكر اليوم الآخر وتذكر الوقوف بين يدي الله علاجاً لتلك الأمراض . فإذا أكثر العبد ذكر الآخرة ، وكانت منه دائماً على بال ، فحينئذ لا يكترث بزهرة بالدنيا ، ولا يحزن على فواتها ، ولا يمدن عينيه إلى ما متع الله به بعض عباده من نعم ليفتنهم فيها ، وهذه الثمرة يتولد عنها بدورها ثمار أخرى مباركة طيبة منها القناعة ، وسلامة القلب من الحرص والحسد والغل والشحناء مع ملاحظة أن إيمان المسلم باليوم الآخر لا يعني انقطاعه عن الدنيا بالكلية وعدم ابتغاء الرزق في أكنافها ؛ يقول الله تعالى : ( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ) [القصص: 77] . وأما أصحاب الفهم المنحرف لحقيقة الإيمان باليوم الآخر ، فيعيشون في فساد وشر وظلم وتخلف وجهالة تغمر حياتهم الدنيا مع ادعائهم الإسلام . إن ما يمنع النفس من ظلم غيرها في نفس أو مال أو عرض كاليقين بالرجوع إلى الله عز وجل ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، وإنصاف المظلوم ممن ظلمه ، فإذا تذكر العبد هذا الموقف العصيب الرهيب ، وأنه لا يضيع عند الله شيء ، كما قال الله تعالى : ( وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) [الأنبياء: 47] وقوله تعالى : ( وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً ) [ طه: 111] ، إذا تذكر هذه المواقف واتعظ بهذه الآيات ، وأيقن بتحققها فلا شك أن ذلك سيمنعه من التهاون في حقوق الخلق ، والحذر من ظلمهم في دم أو مال أو عرض.