صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فن الكتابة و الخطابة ج2ح3 بقلم:عزيز الخزرجي
نشر في الجنوب ميديا يوم 25 - 12 - 2013


فنّ آلكتابةُ و آلخطابَةُ – ألجزء ألثّاني ح3
ألفصلُ آلأوّل – ألقسم ألثانيّ؛ ألتّسلط على آلنّفس و آلغلبة على آلحياء ألزّائد:
لأجل ألتّسلّط على ألنّفس نحتاج آلتّعرّف عليها من خلال معرفة خصوصيّاتها و حالاتها,و إجراء عمليّة ألتّصفية و آلتّحلية؛ بمعنى تصفيتها من آلخبائث و آلعُقد و آلأمراض آلمُختلفة, و تحليتها بآلقيم و آلمبادئ ألأنسانيّة و آلأفكار ألأيجابيّة!
و أخطر ألصّفات ألّتي تُهدّدُ وجودَ آلأنسان و تجعلهُ إرهابيّاً في آلبيت و آلشّارع و محلّ آلعمل هو: ألتّفرعن و آلغرور – و هو عكس ألتّواضع – ألّذي تحدّثنا عنهُ في آلحلقة ألسّابقة, و منشأ ألتّكبر في آلنّفس هي إنعكاسات ألتربيّة ألخاطئة من آلوالدين و آلمربين و عدم آلسّعيّ لترويض آلحالة ألطفولية ألمُصاحبة للأنسان و آلمسؤولة دائماً على ترشيدنا للحكم على آلوقائع و آلأحدث بعيداً عن ألتّعقل و آلأرادة ألطيبة ألخيّرة, و يتعاظم فساد ألنّفس لو عرفنا بأنّ ألقوى ألغريزيّة ألطفولية ألدّافعة ألّتي تختبئ و تُشكّل محور حركة آلنّفس هي مصدر كلّ شقائنا و خصامنا و سلبياتنا مع آلآخرين و قد حذّرَنا منها آلباري تعالى بقوله؛
[ و نفسٍ و ما سوّاها فألهمها فجورها و تقواها, قد أفلح من زكّاها و قد خاب من دسّاها](1), بلْ نعتها تعالى بصفة(ألنّفس ألأمّارة بآلسّوء) على لسان يوسف آلصّدّيق(2)!
إنّ طبيعة ألنّفس ألّتي لم تُرَوّضْ "طفوليتها" تطغى عليها صفة آلسّوء و آلطغيان و آلشّك و آلتّنفّر و عدم ألتّسالم و آلمحبة مع آلنّاس حتّى بين آلأزواج, و رفض آلحقّ ألّذي عادّة ما يَكبحُ جماحها و يتعاكس مع جشعها و شررها و شهواتها ألكبيرة و آلخطيرة و في مقدّمتها؛ ألطّغيان و حبّ آلتّسلط و آلمال و ألشّهوة بسبب شرر آلرّوح ألتي تُنفّذ أوامر ذلك "الطفل", و يُمكنكَ مُلاحظة ذلك بوضوح في تصرّف أصحابها حتّى مع أزواجهم أللواتي يُعتَبَرْنَ (أنفسهم)(3)؛ كيف أنّهم يتعاملون بقسوةٍ و تكبّرٍ وشكٍّ مُدام مع آلقسوة لكّنهم يتذلّلون أثناء آلفراش لإشباع شهوتهم ألمدفوعة كآلطفل حين يريد أن يحصل على مرامه!
أهمّية معرفة ألنّفس .. تتعاظمُ عند آلخطيب ألهادف أكثر فأكثر, لكونهِ صاحب قضيّة و رسالة عليه إبلاغها و تحقيق أبعادها و مآثرها في آلمجتمع, لهذا يجب ألتّركيز على تربية ذلك آلطفل ألمختبئ بداخلنا لتقويم ألسّلوك ألأنسانيّ ألّذي يُصابُ سلباً مع تلك آلحالة بآلتّكبر و آلغُرور بسبب حالةِ ألعُجْبْ ألّتي تُصاحب أهل "ألعلم" بشكلٍ طبيعيّ و هي إنّما ناتجٌ من آلشّعور بآلنّقص ألّذي قلّما ينتبهُ لهُ حتّى آلمُدّعين للعلم و آلتّواضع!
و لو عرفنا بأنّ آلدّرجات ألعلميّة هي ليستْ تلك الدّرجات ألأكاديميّة أو حتّى آلحوزوية ألسّائدة؛ فأن ذلك سينفعنا كثيراً في تجاوز تلك آلحالة ألمُدمّرة للعلاقات ألأجتماعيّة, فآلمُهندس و آلطبيب حتّى آلّذي حصلّ على آلدّكتوراه و كذا مَنْ أسموهُم بآيات آلله .. هؤلاء قد يكون أكثرهم جُهلاء حقيقيّون .. بسبب أهمالهم لنفوسهم و تنازلهم عن آلحقّ و إبتلائهم بآلهوان بسبب تركهم "للطفل" ألمرافق لهم بداخلهم حُرّاً طليقاً يتأمّر عليه و يفعل ما يشاء في كلّ آن, بعيداً عن آلعقل و آلحقّ و آلموضوعيّة ناهيك عن آلمحبة و آلإيثار!
يقول ألأمامُ ألباقر(ع)؛ [ألعلمُ ثلاثُ درجاتٍ؛ ألأوّل؛ تَكَبُّر, و آلثّّاني؛ تواضع, و آلثّالث؛ عَلِمَ أنّهُ لا يعلمُ شيئاً]!
و مع هذا آلوصف ألمُبين يُمكنُكَ أخيّ ألعارف؛ ألكشف عن مدى جهل آلمُدّعينَ للعلم و آلأستقامة من آلسّياسيين و مراجع آلدّين و حتّى آلأكاديميين ألّذين يتكبّرون على آلحقّ و آلأنسان بإهمالهم لأنسانيتهم و رسالتهم ألأخلاقيّة في آلحياة بآلأهتمام بأنانيّتهم و أوضاعهم و مصادر أموالهم و شهواتهم بآلغرور و آلنفاق و آلتّسلط و آلتّكبر ألفكريّ و آلعلميّ ألكاذب, و أتعس هؤلاء و أكثرهم إجراماً أؤلئك آلذين يتّخذون بيوت آلطين و آلبساطة ألظاهريّة أمام آلنّاس .. لكنّهم أشرارٌ بدواخلهم و افعالهم و يتخضّعون أمامَ آلسلاطين و آلظالمين لتأمين مصادر شهواتهم و أموالهم و معدّلات حساباتهم في لندن و سويسرا لتأمين سعادة أبنائهم و أحفادهم و أصهارهم تاركين آلام آلنّاس و مصائب أمّة محمد و هم يتعرّضون للذّبح و آلقتل و آلفقر و آلنّهب و آلسجن و تسلّط ألمُستكبرين .. بل يتعاونون مع مخططات ألمُستكبرين و دعمهم لهم عبر سكوتهم و نهب أموال آلفقراء من آلمسلمين و توديعها في بنوكهم لصناعة ألأسلحة و آلصّواريخ و أعداد ألمُخططات لتدميرنا و إستحمارنا في عقر دارنا!
هؤلاء يدّعون آلمناقب و العلوم و آلأعلمية الفارغة و آلتّقوى و آلتّمسك بآلأسلام و بخط أهل البيت(ع) و يُطلقون أو يَطلقون عليهم آيات آلله, بينما هم آياتٌ للشيطان .. و هم أبعد ما يكون عن ألعلم و آلأنسانيّة و آلتقوى و خط أل ألبيت(ع), و قول ألأمام الباقر(ع) جليّ يكشف زيفهم, فآلذي ينهي ألدّراسات ألأوّليّة ألجّامعيّة؛ بكالوريوس؛ ماجستير؛ دكتوراه أو ما يُعادلها في آلحوزة كدرجة آلأجتهاد, تُعتبرُ كلّها ألمرحلة الأولى ألّتي أشار لها آلأمام آلباقر(ع) و آلتي تُصاحبها حالة ألتكبّر و آلتّرفع على آلنّاس (ألعوام) كما يطلقونها عليهم من قبل آلمراجع التقليديين, و هذا هو وضعهم خصوصاً في آلعراق و آلبلاد ألعربيّة و الأسلاميّة, بحيث وصل آلحال لأن يُفرّق (ألجّهلاء) بين أنفسهم بكونهم ألخواص لأنهم مراجع و بين بقية ألنّاس (ألعوام), هذه ألتّفرقة ألطبقية أللاإنسانية هي نمط متطور للجاهلية و دلالة على جهل مركّب بحقيقة و فلسفة ألعلم و آلشّرع بسبب حالة ألعجب ألعميقة ألمُغطاة بآلتّواضع في نفوس هؤلاء من آلنّاحية ألسّايكلوجيّة, على آلرّغم من آلتّواضع ألظاهر ألكاذب ألّذي هو حالة مرضيّة طفيليّة تتعدّى حالة ألتّكبر ألمتعارف عليه ألّذي لم يصلهُ حتّى آلشّيطان أللعين ألّذي علمهُ يُعادل كل علوم ألعالمين سوى علم الله تعالى(4)!
أمّا آلمرحلة آلثّانية من آلعلم, فهي مرحلة (ألتّواضع) ألّتي لا يصلها طالب ألعلم ألحقيقيّ إلّا بعد إمتحانات و تحقيقات ميدانية و كشوفاتٍ جديدة لم يسبقه أحدٌ إليها تخدم آلبشرية بحقّ على آلمستوى ألرّوحيّ و ألماديّ – أي ألمدنيّ و آلحضاري .. مثل هذا آلعالم ألعامل يحسُّ بآلتّواضع أمامَ عظمة آلأنسان و خالق آلأنسان نتيجة آلأكتشافات ألعلميّة ألّتي توصّل إليها, و يكون مُخلصاً منكسراً مُتواضعاً, لكنهُ يحسّ بآلسّعادة في ذاته و في سعيه ألمبارك و حركته في كلّ مواقع ألحياة؛ صغيرها أو كبيرها؛ مسؤولاً كان فيا أو محكوماً؛ رئيساً أو مرؤوساً؛ غنياً أو فقيراً؛ سجيناً أو حرّاً!
أمّا آلمرحلة آلثالثة, فهي حالة تحقّق (عدم آلمعرفة و آلعِلم) في وجود ألعالِم(ألباحث) ألحقيقيّ, فحين يتعمّق أكثر في آلأكتشافات ألعلميّة التي توصّل إليها – في مجال إختصاصه – و هو يُحاول آلرّبط بين هذا و ذاك – لكونه يتحرّك في كلّ آلوجود – ألذي عنده وحدةٌ واحدة ترتبط مع بعضها .. إنّما ألغازها و أسراها كبيرة و متنوعة لديه .. لهذا يتحقّق عندهُ منذُ آلقدم آلأول في هذه ألمرحلة؛ ألأحساس بآلجّهل و آلضآلة و عدم آلعلم أمامَ عظمة آلوجود و خالقه و أسراره ليقف مُذهلاً حيراناً تافهاً أمامَ آلأسرار ألعظيمة و آللامتناهية و آلّتي عادةً مّا يعجز عن آلرّبط ألأوليّ بين مُكوّناتها و حركاتها ناهيك عن تناسباتها, فيلجأ للعرفان و (آلكوانتوم) كما فعل آينشتاين و آلخميني و آلصّدر العظيم في أواخر أيّام حياتهم ليتحقّق في وجودهم ألفقر و آلفناء ألكامل بكلّ أوصافه و خصوصياته(5).
عقدة ألتّكبر و آلحقارة تُخْنِقُ آلأبداعَ و آلأبتكارَ و آلتّجديدَ:
يقول (آدلر) ألعالم ألنّفسانيّ ألمعروف؛ [أننا لا يُمكننا إعتبار عقدة ألحقارة تخلفاً و نقصاً, و على هذا آلأساس فأنّ آلمُعَوّق ألّذي فقدَ إحدى رجليه أو عضوٌ من بدنهِ؛ فأنّ ميكانيزم ردّ آلفعل أو سدّ ألنّقص سوف يبرز و يُقويّ عندهُ ألطاقات ألأخرى العاطلة و آلمهملة في وجودهِ لأستخدامها للتغطية على آلنواقص].
يقولول علماء ألنّفس و آلأجتماع بأنّ نابليون لو لم يكن قصيراً لما كان بمقدوره تحقيق كلّ تلكَ الأنتصارات و آلعظمة, كلّ عقدة أو دنيّة في آلنّفس تجعل آلحاجة لتعظيم بعض ألقيم و الصفات أضعافاً مُضاعفة .. حتّى مُقابل أحقر ألنّاس و أدناهم!
إنّ أسْمَى و أظْرَف ما يُمكن ملاحظتهُ في هذا آلأمر, هو إنّ آلعظماء و آلأقوياء و آلعباقرة على آلرّغم من إمتلاكهم لقدراتٍ إستثنائيةٍ و صفاتٍ فريدةٍ و مُميّزةٍ لكنّهم يشعرون بأنّهم أقلّ شأناً من آلآخرين و أكثر تواضعاً, حتّى إن بعض ألنّوابغ يشعرون أنهم أقلّ قدرة من آلناحية ألبدنيّة قياساً مع آلآخرين, و هكذا آلفنانين يستحقرون أنفسهم لعدم ذكائهم مقابل آلآخرين .. و هكذا في كلّ صنف.
إنّ عقدة ألحقارة و آلنّقص تبرز في محيط ألعمل, عندما تَتَعرّض ألأستعدادات إلى مواجهة ألنّقائص, خصوصاً عندما لا يُوجد مَنْ هو آلكفوء لملء منصب مُعيّن أو فراغٍ يحتاج إلى مُؤهلاتٍ عاليةٍ, و كذلك في آلمجال ألعاطفي عندما يحسّ آلأنسان أنّهُ لمْ يحصل على ألمقدار و آلدّرجة آلّلائقة من آلمحبّة و آلأحترام من قبل آلآخرين؛ فهنا تحلُّ عقدة ألحقارة مكان آلعشق و آلمحبّة!
إنّ عقدة ألشّعور بآلنّقص و آلتّواضع كسيفٍ ذو حدّين, فلو جاء آلرّد قويّاً سيكونُ وبالاً على صاحبهِ, و لو كان باعثاً على آلشّك و آلتّردد سيكون مُحطّماً للنّفس و مُعوّقاً لسموّهِ, و عندها سيرتسمُ وجه آلحياة أمامهُ صورةً مهمومةً كئيبةً و غامقة تشل إبداعاته!
أن عدم ألتّناغم و آلأنسجام بين "آلأنا" و آلمُحيط ألخارجيّ هو سبب بروز عقدة ألحقارة و آلنّقص, و إنّ آلوضع ألسّياسيّ و آلأجتماعيّ و آلأقتصاديّ لهُ أثرٌ بارزٌ على إظهارِ أو إخفاءِ هذهِ آلحالةِ ألمعقدةِ, و آلتي من عوارضها؛ إتّهام آلآخرين و عدم ألرّضا عن آلمجتمع!
إنّ هذا آلأحساس ألخفيّ ينطلق من آلأعماق, و هي عارضةٌ أخلاقيّة تضعف آلشخصية و تُحجمهُ و يؤدي بصاحبه أللجوء للتغنيّ بآلماضي و إتهام نفسه بآلتقصير أيضاً, و عموماً يصعب على صاحبه التخلص من هذه الحالة و آلخروج من هذا آلمأزق!
طُرق آلخلاص من هذه ألعقد:
ألعقد ألنفسيّة و آلتي يُعاني منها أكثر آلنّاس هي آلسّبب في خلق آلحياء ألزّائد عن آلحدّ .. فآلحياء له وجهان؛ محمود و مذموم, ألمحمود؛ هو آلتّحرز من إرتكاب ألمعاصيّ بل يُعتبر توأم آلأيمان(6), و لكنّه لو تجاوز هذا آلحدّ فسيكونُ مذموماً و يُؤدّي إلى آلتقوقع و سلب ألقُدرة آلخطابية ألأبداعية من آلأنسان بحيث لا يتمكّن من آلوقوف أمامَ جمع من آلناس لألقاء كلمةٍ أو محاضرةٍ أو بيانس معيّن!
و هناك أسلوب منطقيّ يُمكّن آلمصاب بداء آلحياء ألزّائد لو سلكهُ ألتّخلص منهُ و ذلك بتلقين نفسه ذاتيّاً حقائقَ هامّة تتلخص بآلتّالي:
أنا لا أملكُ عقدة ألحقارة مُقابل أيّ مخلوقٍ سوى آلخالق ألعظيم .. أنّهُ من آلطبيعي أنّ لكلّ إنسان عقدة نقص بآلقياس مع آلآخرين, و لا يُوجد إنسانٌ كاملٌ جامعٌ للصّفات ألحميدة و خالٍ من كلّ عيب و نقص .. أنا أعرفُ أنّني في مَواضعَ و جِهاتاً عديدة أفضلُ من آلآخرين ألّذين يُعانونَ بآلتأكيد من آلعقد ألكثيرة كآلحقارة و آلشعور بآلنّقص و آلضّعف ألذي يُحاولون إخفاءَها عن آلآخرين ..
أنا أشعرُ بكلّ تصرّفاتي و أعرفها بشكلٍ كاملٍ, و مُطمئنٌ من نفسيّ و أحافظ على إعتدالي و إستقامتي مُقابل أيّ إنسانٍ آخر ..
لا تُؤثّر في شخصيّتي نيل منصبٍ أو مقامٍ أو موقعٍ إجتماعيّ أو مسؤولٍ أو نياشين آلآخرين أيّ كانوا ..
كلّ من أُصادفهُ في حياتي إنسانٌ عاديٌّ مثليّ, رجالاً أو نساءاً و كلٍّ منهم يشكو من عُقدٍ يُحاول إخفائها عن أعين آلآخرين .. و هو في آلنهاية كبقية آلبشر لهُ خُلقٌ مُعيّن و غرائز طبيعية و سلوكٌ و عاداتٌ .. و لا أحداً منهم أفضلُ و لا أسوءُ منيّ ..
ليس بمقدور أحدٍ أنْ يُؤثّرَ في وجودي أو يُثير عواطفي .. أو يفعلَ ما يجعلني خجولاً .. أو مُتحمّساً أو شاكياً من عقدة ألنّقص و آلحقارة .. و بآلتّالي لستُ أقلّ أو أصغر أو أذلّ منهُ؛ لا قصورهم و لا ممتلكاتهم و لا رُتبهم و لا موائدهم ألمجلّلة و لا حُليّهم و مظاهرهم بإمكانها إخضاعي أو آلتأثير عليَّ ..
و لو كان بإمكان ذو علمٍ أو مالٍ أو جاهٍ أو مسؤولٍ أنْ يُؤثّر في وجودي ليجعلني أحسّ بعقدة آلحقارة و آلنّقص؛ فأنّ هناك مَنْ هو أكثر منه مالاً و ولداً و جاهاً و بإمكانهِ أيضاً أن يجعلهُم يتحسسون عقدة آلنّقص و آلحقارة ..
إنّ قيمة آلأنسان يتحدَّدُ من خلال إنسانيتهُ و مدى آلرّحمة و آلمحبة ألّتي ينثرها على آلآخرين خصوصاً ذويه و مقرّبيه و أرحامه .. و ليستْ حساباتهُ آلمصرفية أو عقاراتهُ أو علمهُ ..
إنّ آلسُّفهاء و آلحمقى و آلمُثقفين ألمزوّرين وحدهم .. منْ يتأثّر بمكانةِ و ملكيّةِ آلآخرين لدرجةِ أنّهم يفقدون توازنهم و إستقرارهم أمامهم .. مُتصورينَ أنفسهُم أقلُّ شأناً و قيمةً منهم ..
إنّ آلسّعادة لا تتحدّد بآلمظاهر و آلماديّات بل تتواجد في داخل الأنسان لا خارجه .. و مع هذا فلا أنكر و لا أنفي دور آلمال في إكمال آلسّعادة و آلكفاف و بإمكاني أنْ أحصل عليه مثلما حصل عليه ألآخرون, و أعرف جيّداً أنّني لا أُسْعَدُ و لا أنالُ آلرّاحةَ و آلأطمئنان بحسدي على مال و منال آلآخرين!
و لا أحسب آلنّاس صغاراً أو ضُعفاء أو أقل شأناً من نفسي .. و لا أعيب على أحدٍ و لا أنابزُ آلآخرين حتّى بكلمةٍ واحدةٍ نابيةٍ, و لو وُفّقَ أحداً أو نالَ مقاماً أو ترقّى لجاهٍ أو مقامٍ فأنّني لا أُحاول آلتّقليل من شأنهِ أو مقته لأعلاء نفسي .. لأنّ هذا آلموقف بحدّ ذاته سعيٌ مُبطن لأبراز آلنّفس و علامةٌ على وجود عُقدة ألحقارة و آلنّقص, و لولا ذلك ما كان يُحاول آلبعض إبراز أنفسهم على حساب حُقوق آلآخرين و آلصّعود على أكتافهم ..
لهذا فأنّا في كلّ زمانٍ و مكانٍ و في جميع آلأجواءِ و آلحالات؛ إنسانٌ طبيعيٌّ و مُعتدل و مطمئنٌ من نفسي .. و طاهرٌ من كلّ ألعقد, و أوّلها عُقدة ألنّقص و حُبّ ألظهور, و أنا على يقينٍ بعدم وجود منْ يُمكنهُ إزعاجي أو إيذائي أو النيل منيّ, و آلأهمُّ من ذلك أنني على ثقةٍ كاملةٍ بربّي و إيماني بأنّه يُحبّني و هو أعلم بحالي أكثر من نفسي و أحنُّ عليَّ من أميّ .. و إن واجهت بعض المصائب و شقوت فهي لأجل سعادتي, فهو وحدهُ يُدبّرُ لي كلّ أمري و يُيسّرُ لي كل خير, و لا حول و لا قوّة إلّا بآلله العلي العظيم
عزيز الخزرجي
(1) سورة الشمس / 7 و 8 و 9 و 10.
(2) سورة يوسف / 53.
(3) سورة ألنّساء/ 1.
(4) لمعرفة معاني و حقيقة ألعلم؛ راجع مباحثنا في؛ (أسفارٌ في أسرارِ ألوجود).
(5) راجع أسفارٌ في أسرار الوجود, ألمحطات السبعة للمسافر ألعاشق إستناداً لقصة ألطيور ألمهاجرة ألتي ذكرها آلعطار ألنيشابوري.
(6) ورد عن آلمعصوم(ع)؛ [ألحياءُ و آلأيمانُ نصفان إن ذهب أحدهما ذهب آلنّصف ألآخر], و تأكيد هذا آلنّوع من آلحياء يظهر من خلال حديث آخر نصّهُ؛ [ لا تنظر إلى صُغر ألمعصية .. بل إنظر إلى عظمة من تُعصيه].


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.