في مجتمعاتنا العربية، هناك مفارقة غريبة بعض الشيء، ولكن قلة من الناس تتنبه لها، وهي أن الشاب العربي يتمسك برأيه الخاص عند شراء سيارته، وهاتفه النقال، وساعة يده، وجميع مقتنياته تقريباً؛ ولكن عندما يتعلق الأمر بالإنسانة التي ستشاركه حياته، فإنه يسند مسألة الاختيار لوالدته أو إحدى شقيقاته. والأمر نفسه يرتبط بالفتاة العربية، فهي تتمسك بذوقها الخاص عند شراء حقيبة يدها، أو عطرها، أو نظارتها الشمسية، وجميع مقتنياتها تقريباً؛ ولكن عندما يتعلق الأمر بالإنسان الذي سيشاركها حياتها، فإنها تقبل بتزكية رجال عائلتها له، ولا تلتفت كثيراً لأحلامها وعواطفها ومعاييرها الخاصة في الاختيار. هذا الواقع لم يأت من فراغ، بل هو ثقافة متجذرة في المجتمعات المحافظة التي تقل فيها فرص الحوار المباشر ما بين الذكور والإناث. ولكن هذا الواقع تغير بمرور الزمن، وفرص التواصل ازدادت، والكثير من الحواجز تلاشت، لكن آلية الاختيار لم تتغير للأسف. أدرك جيداً أن رأي الآباء والأمهات مهم جداً، فهم أصحاب خبرة وتجربة ورؤية أعمق للحياة، ومعرفة أوسع لنسيج المجتمع ومكوناته، لكن رأي الأب يمثل قناعاته وأحلامه ومعاييره الخاصة، وكذلك رأي الأم، في حين أن أطراف العلاقة لديهم قناعات مختلفة وأحلام خاصة ومعايير أخرى، قد لا تتوافق مع معايير وأحلام وقناعات ذويهم. ومن هنا تفقد هذه الآلية التقليدية الكثير من كفاءتها. مناقشة آلية اختيار شركاء الحياة أمر شديد الصعوبة في ثقافتنا العربية، وأشبه بالسير في طريق ملغوم. فالكل سيقف في وجهك شاهراً سيف الفضيلة، وسيتهمك بمحاولة تغريب المجتمع، والعبث بعاداته وتقاليده، ولن يكلف نفسه عناء التأمل في الواقع الجديد الذي نعيشه، والذي أفرزته مواقع التواصل الاجتماعي، وتقنيات الاتصال الحديثة. الأمانة تقتضي مني أن أعترف بأن معظم علاقات الحب في واقعنا المعاصر غير ناضجة وعالية المخاطر، وتفتقد إلى الضوابط والأخلاقيات، ولا يمكن التعويل عليها في تكوين أسرة ناجحة في المستقبل. ولكن الخطوة الأولى في طريق الحل قد تبدأ بفتح نوافذ الحوار بين أفراد الأسرة الواحدة، فيقترب الأب من زوجته، والأم من أبنائها، والأبناء من أخواتهم. فتنشأ بينهم صداقة حقيقية، وثقة عميقة تطمئن لها القلوب، فتبدأ البوح بأسرارها ومشاعرها، لتبدأ بعدها مرحلة التشاور فيما بينهم. فآلية الاختيار هنا ستتطور من تلقاء نفسها، وستأخذ في الاعتبار آراء جميع أفراد الأسرة، على اختلاف خبراتهم، وتجاربهم، وخلفيتهم الثقافية. وسيكون للشاب رأي معتبر في شريكة حياته، وللفتاة رأي معتبر في شريك حياتها، الأمر الذي من شأنه أن يصل بالجميع إلى الاختيار السليم. لا أحاول هنا تجريد الأب من سلطته والأم من صلاحياتها، ولكنه نداء للاقتراب من أبنائنا وبناتنا ومحاولة كسب ثقتهم وصداقاتهم، ليشعروا بالأمان فيصارحونا بقناعاتهم الحقيقية، حتى لا ينعزلوا في عوالمهم الخاصة، فمعظم الضرر يأتي من العوالم المظلمة. [email protected] The post متى ستختار الفتاة شريك حياتها appeared first on صحيفة الرؤية.