الزيارة الرسمية التي قام بها وفد روسي لمصر أخيراً، كانت غير اعتيادية بمستواها وتوقيتها وجدول أعمالها. فعندما يكون على رأس الفريق الزائر، وزيرا الخارجية والدفاع، وتشمل مباحثاتهما المكثفة مع الجانب المصري حزمة كبيرة من المواضيع العسكرية والتجارية ذات الطابع الاستراتيجي، وفي هذا الوقت الذي تشهد العلاقات الأميركية المصرية حالة فتور غير مألوف، عندئذٍ يكون في الأمر ما يتجاوز التكتيك. أو هو مرشح ليكون كذلك، خاصة وأن هذا الانفتاح المصري والتدافع الروسي يأتيان بهذا الزخم، بعد عقود من البرودة المشحونة بالمرارة بين البلدين. لذلك استوقف هذا التطور الدوائر الأميركية المعنية التي لم تنظر بعين الرضا إلى مجرياته. في حسبانها أن مصر باتت غير قادرة على الخروج من شبكة علاقاتها الأميركية، بحكم عوامل كثيرة على رأسها المساعدات وارتباط آلتها العسكرية بالسلاح الأميركي ومشتقاته، من تحديث وتدريب وقطع غيار ومذهب حربي. لذلك فوجئت واشنطن بالاستدارة المصرية وبهذه السرعة نحو موسكو. وحتى لو كانت من باب ردة الفعل على طريقة التعامل الأميركي الأخير مع النظام في مصر، والذي أخذ طابع المعاقبة له. صحيح أن واشنطن لا ترى، حتى الآن، أن هذه الزيارة الروسية تشير إلى بداية انفصال مصري عنها. لكنها، بلا شك، تسببت بشيء من القلق لما انطوت عليه من احتمال عودة روسية إلى مصر، على الأقل كشريك تستقوي به هذه الأخيرة لتحسين شروط علاقاتها مع واشنطن. تحول السلاح أكثر ما لفت الأوساط الأميركية كان الجانب العسكري في المباحثات. وبالذات ما تناولته من حاجات سلاح الجو المصري ودفاعاته الجوية. فهذا السلاح تحوّل، منذ كامب ديفيد ورحيل الخبراء السوفييت، من روسي إلى أميركي، قبل أكثر من ثلاث عقود. «الميغ» حلت مكانها المقاتلة «إف - 16» التي يملك منها سلاح الجو المصري نحو 215 طائرة، بالإضافة إلى عدد من «إف- 4» و150 مروحية من بينها «الأباتشي»، إلى جانب طائرات الشحن العسكري الأميركية «سي 130». كما ضم هذا السلاح طائرات «ميراج -2000» و«ميراج 5» الفرنسية وأنواعاً أخرى من المقاتلات. قرار إدارة أوباما بتجميد تسليم مصر المزيد من «إف 16»، كان الرد عليه طلب «ميغ 29 إم 2» الروسية الحديثة التي قيل إن القوات المصرية تنوي شراء 24 منها، إلى جانب منظومات دفاع جوي وصاروخي حديثة مع راداراتها. والمعروف أن مصر تعاني من نقص في هذا المنظومات التي حرصت واشنطن على عدم تزويدها بها، لئلا تؤثر في التفوق الكاسح لسلاح الجو الإسرائيلي. كما أن من المعروف أن روسيا تملك أجهزة متقدمة في هذا المجال، مثل «بانتسير أس 1» والصاروخ المضاد «بوك - أم- 2»، فضلاً عن شبكة «أس- 300» عالية الفعالية التي سعت إيران للحصول عليها، والتي يعتقد الخبراء أن روسيا لن تبيعها إلى الخارج. صعوبات تكتيكية ويشير المراقبون إلى صعوبات تكتيكية في مثل هذا الانتقال، تتعلق بمقتضيات التدريب الجديد، كما التمويل. والثاني يمكن تجاوزه حسب التقديرات، بدعم عربي يحل مكان المساعدات الأميركية. يبقى الأول، وهو يحتاج إلى وقت مديد للتكيف العسكري مع السلاح الروسي. فالعملية ليست بسيطة، ولهذا يميل محللون إلى تغليب الاعتقاد بأن الخطوة المصرية لا تطمح إلى أن تكون أكثر من ورقة يجري توظيفها كردّ على «التحكّم» الأميركي بالتسليح المصري ومتفرعاته. وبالتالي ليس بمقدور هذا التوجه الذهاب إلى أبعد من شعار «التنوّيع» في مصادر السلاح. لكن ما يخشاه بعض المراقبين أن هذا الشعار هو نفسه الذي سبق وطرحه الرئيس أنور السادات، والذي انتهى بنقل بندقية التسليح من الكتف السوفييتية إلى الكتف الأميركية بشكل تام. ومثل هذا السيناريو يثير خشية الحريصين في واشنطن على سلامة واستمرارية اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، في المدى البعيد. ليس لأن الاتفاقية باتت في خطر، بل لأن مصر تصبح متحررة من القيود على حركتها. ويزيد من عدم الارتياح في واشنطن أن موسكو عزّزت حضورها الحربي أخيراً، في المنطقة، كما زارت بعض الموانئ المصرية. بل أمسكت بالمبادرة على حساب الانكفاء الأميركي، في عدة ساحات وملفات شرق أوسطية. تلميع العلاقات المصرية الروسية بهذه الدرجة، وفي هذه اللحظة الأميركية المصرية والإقليمية، كان له وقع الحدث، ولو أنه لا ينطوي على انفصال قريب ومحتوم بين واشنطن والقاهرة. لكنه بالتأكيد خلخل العلاقة الاستراتيجية بينهما. لاسيما وأنه حصل عند منعطف تتشكل فيه معادلات جديدة في المنطقة