حضرموت ليست مجرد مساحة واسعة من جغرافيا الجنوب، بل هي روح اجتماعية وثقافية مميزة أسهمت في تشكيل الشخصية الجنوبية عبر التاريخ. وفي لحظة إعادة ترتيب المشهد السياسي داخل الجنوب، يصبح فهم هذه الخصوصية مسألة ضرورية لضمان بناء مشروع وطني متوازن يقوم على الشراكة الوطنية. فحضرموت تمثل مركز ثقل حضاري هادئ، يمنح أي مشروع سياسي قدرة على الاستقرار والاتزان. تتميز حضرموت ببنية اجتماعية تقوم على التوازن والاحترام المتبادل بين الأسر ذات المكانة العلمية والدينية والقبلية والتجارية. هذا التوازن رسخ ثقافة مدنية تعتمد على الحوار وتجنب الصدام، مما جعل المجتمع الحضرمي يميل إلى الحلول العقلانية البعيدة عن الانفعال. وليس من المبالغة القول إن حضرموت طورت نموذجاً اجتماعياً يحفظ الانسجام الداخلي دون الحاجة إلى مظاهر القوة أو الضغط السياسي. كما لعبت المدرسة الدينية الحضرمية دوراً مهماً في تكوين هذا المزاج الهادئ. فهي مدرسة تقوم على الاعتدال ونشر القيم الإنسانية والأخلاق قبل الشعارات. هذا الاتجاه منح حضرموت قدرة على بناء علاقات اجتماعية وسياسية مستقرة، وعلم أبناءها أن النفوذ الحقيقي لا يمارس بالصوت المرتفع ولا بالضحيج المنفعل، بل بالثقة والاحترام والالتزام. وهذا ما يفسر طبيعة الدور الهادئ لحضرموت في الحياة السياسية للجنوب، دون أن يكون ذلك ضعفاً أو حياداً سلبياً. ومن جهة أخرى، فإن تجربة الهجرة الواسعة التي عرفها الحضارم خلال قرون، وما رافقها من نشاط تجاري واقتصادي عالمي، جعل حضرموت أكثر انفتاحاً وفهماً لمفاهيم الاستقرار والتنمية. واكسبها في رحلة الاغتراب ومحطات الهجرة وتقلبات الشتات بعداً إنسانياً عالمياً فالحضرمي بطبيعته يميل إلى بناء الاقتصاد قبل الصراع، وإلى الاستثمار في الاستقرار بدل استنزاف الجهود في نزاعات لا تثمر. وهذه سمة يمكن أن تمثل رافعة قوية لمشروع بناء الدولة القادمة في الجنوب. لذلك، فإن احترام خصوصية حضرموت ليس مطلباً محلياً فحسب، بل ضرورة وطنية لضمان نجاح أي تسوية سياسية أو صياغة مستقبلية لمؤسسات الدولة. حضرموت ليست طرفاً ثانوياً في معادلة الجنوب، بل هي ركيزة من ركائزه. واحترام دورها لا يعني استثناء أو امتيازاً، بل يعني الاعتراف بمكانتها الطبيعية وبما يمكن أن تقدمه من توازن ورشد سياسي يضمن استقرار الجنوب واستدامة مشروعه الوطني مهما تعددت المشاريع في لحظات الجمود والانكسار.