GMT 0:05 2013 الثلائاء 26 نوفمبر GMT 6:20 2013 الثلائاء 26 نوفمبر :آخر تحديث عبد الله بن موسى الطاير أمريكا والغرب لم توقعا اتفاقاً مع إيران، ولكنه في الواقع صك "رجعة" من طلاق غير بائن، على أمل تتويج إيران قوة المرحلة القادمة وشرطي المنطقة. ومن حق أمريكا والغرب إدارة مصالحهما، ومن حقنا في المنطقة أن نرحب بأي اتفاق سلمي؛ فالحرب لم تكن ولن تكون في يوم من الأيام وسيلة لحل الصراعات وجلب الاستقرار. دعونا نتعامل مع ذلك المشهد المترع بالقبلات والبسمات، والأحضان التي أدفأت خريف جنيف البارد. وفي صدد القراءة المتأنية نبدأ بخطاب الرئيس باراك أوباما الحماسي الذي اعتبر أن ما حدث هو أعظم ما حققه خلال رئاسته. وكنت أظن (وبعض الظن إثم) أن أهم ما حققه الرئيس الأمريكي هو تمرير مشروعه لإصلاح الرعاية الصحية الذي أقر بعد 40 عاما من المحاولات. الأمريكيون الذين علقوا على خبر الاتفاق اعتبروا أنه رحمة من السماء نزلت على قلب الإدارة الأمريكية لعلها تخفف من وطأة الحملة الشرسة على برنامج إصلاح النظام الصحي الذي فقد بعض مؤيديه من الديمقراطيين. ويعتبرون تصريح (أبو حسين) العاطفي يترجم أهمية الاتفاق كطوق نجاة مؤقت موجه للداخل. ومع استهجان أمريكي واسع من خلال تعليقات القراء وأعضاء الكونجرس من هذا الاتفاق نجد من يدفع بأنه ليس المهم توقيع الاتفاق وإنما المهم ما ينفذ منه. ولذلك يعتبرون أن الوقت هو المعيار الحقيقي فيما إذا كان هذا الاتفاق يحقق مصالح أمريكا على المدى البعيد أو هو مجرد مسكن مؤقت ينقذ الديمقراطيين في الانتخابات النصفية القادمة للكونجرس. وهناك شبه قناعة بأن هذا الاتفاق هو الخيار الوحيد أمام أمريكا وحلفائها في الغرب، لأن الولاياتالمتحدة غير قادرة على شن أي هجوم مسلح لأسباب معنوية ومادية. فهزيمتها في العراق وفي أفغانستان بدأت تنهش في ثقة الأمريكيين بقوتهم العسكرية ووصلت إلى قناعة بأن الحروب لا تؤدي إلى الاستقرار، واعتبروا ذلك رسالة واضحة لأصدقاء أمريكا وحلفائها في المنطقة بأنه ليس من الضروري أن يحصلوا على ما يريدون من الولاياتالمتحدةالأمريكية. وهو تلويح إلى طلاق (ربما رجعي) وشيك على غرار مع إيران الشاه واستلزمت الرجعة عقدا جديدا بعد حوالي 34 عاما على الانفصال. وتلك أيام يداولها الله بين عباده، وحضن أمريكي يقرب إليه من يشاء ويبعد عنه من يشاء وفق معايير المصالح. الترحيب الشكلي بالاتفاق منطقي جدا، ولكن علينا ألا نكون أطفالا ونصدق كل الحكاوي؛ فوزير الخارجية الإيراني صرح في وسط المحادثات بأن إيران لا ترضى بما يقدم للأطفال (التخلي عن البرنامج النووي مقابل رفع العقوبات) بل ربما لم تكن العقوبات هي أصعب ملفات المفاوضات. فإيران تبحث عن نفوذ، وعن مكافأة لها تلوح بها كالطفل المدلل أمام قوى المنطقة التي تقف في وجه نظام الأسد. وقد أجرت دماء الأمل بهذا الاتفاق في شرايين النظام السوري، وحلفائها في لبنان، ووديعتها العراق. وبالتالي فإننا نتوقع نشوة تزيد حلفاء إيران اصرارا على نهش ما تبقى من استقرار في المنطقة، وستكون الدولة الوحيدة الآمنة من تقلبات القوى في المنطقة هي إسرائيل بعد أن فقدت الولاياتالمتحدة إلى حين حليفا قويا تمثل في مصر التي تباعد خطاها عن الولاياتالمتحدة يوما بعد آخر، ما شجع أمريكا على الإسراع بتوقيع الاتفاق مع إيران. ما أعلن من بنود الاتفاقية لا ينسجم مطلقا مع ما بذل فيها من جهد ولا مع فرحة البيت الأبيض بها، وذلك يعزز أهمية المطالب المتبادلة بين الطرفين والتي إن تحققت سوف تعصف بما كان ثابتا في السياسة الأمريكيةوالإيرانية؛فأمريكا ستغدو الحليف الأكبر بدلا من الشيطان الأكبر، وستكون إسرائيل الشقيقة الصغرى بدلا من إبليس الأصغر، وسوف يتحول حزب الله إلى ساهر على الحدود الإسرائيلية، وانتفاء المقاومة لن يؤدي إلى تفكك الحزب لأنه قد تحول آنذاك إلى شركة حراسات أمنية أمريكية. سلة المطاب الإيرانية كانت هي الأخرى واضحة رغم عدم الإعلان عنها، فهي تنازلت عن كل ثوابتها وشعاراتها في سبيل أن تعزز نفوذها في المنطقة على عين أمريكا ورضاها، وبالتالي فإنها ستعمل على تهدئة الأوضاع في العراق بعد أن تتمكن منه بشكل رسمي، وسوف تنتصر وحليفها في سورية، وسيبقى الحبل الشوكي لحزب الله متصلا، وستعمل على اقتطاع موطئ قدم للحوثيين في شمال اليمن، وقد يكون ذلك بقرار أممي، وستعاود الكرة في بعض دول المنطقة، وربما تصبح الجزر الإماراتية من الماضي لأنها سوف تتحول إلى قواعد لحماية المصالح الأمريكية تحت علم إيران الجديدة. إنه اتفاق لايجب أن نغمطه أهميته، ولا أن نتجنب مناقشة تداعياته، ولا أن نتعامل معه بما يستحق من اهتمام. إيران جار ولابد من التعامل مع هذا الجار بما يستحق أياً كان مستوى العلاقة معه..