لاحظت ملامح السعادة والتفاؤل علي وجوه كثير من اليابانيين الذين سألتهم وتحدثت معهم عن هذا الاكتشاف المهم لحقل بترول وغاز في محافظة اكيتا بشمال اليابان منذ أيام, خاصة أن الشركة قالت إنها نجحت في استخراج بعض النفط وأجرت الاختبارات اللازمة عليه, وهو ما قد يعني أن اليابان التي لم تعرف البترول إلا مستوردا من الخارج قد تصبح دولة منتجة.. وقد تغطي علي الأقل بعضا من احتياجاتها من مصارد الطاقة التي تستوردها بالكامل من الخارج. وتزداد أهمية مثل هذا الاكتشاف بصفة خاصة بعد كارثة انفجار محطة المفاعلات النووية في منطقة فوكوشيما بشمال اليابان في11 مارس عام2011 مما أدي إلي انهيار الثقة في النظرية التي سيطرت علي صناع القرار والحكومات المتعاقبة في اليابان علي مدي ال50 عاما الماضية. فقد أيقنت اليابان لسنوات طويلة أن الاعتماد علي الطاقة النووية هو حلها أو اختيارها الوحيد لتقليل أو حتي التخلص من اعتمادها علي استيراد النفط والغاز من الخارج خاصة من الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط التي تستورد نحو86% من احتياجاتها من النفط منها وهي المنطقة التي تري اليابان أنها غير مستقرة سياسيا بسبب الصراع العربي الإسرائيلي والصراعات الطائفية ثم تفجر الثورات في العديد من دول المنطقة فيما عرف باسم الربيع العربي والإطاحة بالعديد من الحكام الذين ظلوا رازحين علي قلوب شعوبهم زهاء أكثر من30 و40 عاما والواقع أن بحث اليابان عن تأمين احتياجاتها من الطاقة تضاعف بعد حرب أكتوبر المجيدة بعد الأزمة التي تعرضت لها أثر تصنيفها من جانب الدول العربية علي أنها دولة غير صديقة وبالتالي بهلع رهيب أكثر من رعب الزلازل كما يصفه الدكتور كاتاكورا كونيو سفير اليابان السابق في مصر والعديد من الدول العربية في كتابه الرائع عن تلك الأزمة. وفي أعقاب تلك الأزمة مباشرة بدأت اليابان رحلة البحث عن تأمين احتياجاتها من الطاقة من المصادر البديلة وبدأت رحلتها مع الطاقة النووية وقامت بتخزين كميات هائلة من اليورانيوم والبلاتنيوم وقامت بشراء كميات كبيرة من فرنسا علي وجه التحديد. وقد جاءت كارثة مفاعلات فوكوشيما لتسقط نظرية اعتماد اليابان علي الطاقة النووية لسد احتياجاتها من الطاقة. فقد أعلن معظم اليابانيين رفضهم الاستمرار في استخدام الطاقة النووية في سد احتياجات البلاد من الكهرباء وهكذا اضطرت الحكومة إلي إغلاق كل المفاعلات النووية في البلاد ويتجاوز عددها ال40 وأنفقت ملايين الدولارات لشراء المزيد من النفط من الخارج لتعويض العجز في احتياجاتها من الكهرباء بسبب توقف المفاعلات التي كانت تغذي البلاد بنحو30% من احتياجاتها من الكهرباء ووضعت خطة للتخلص النهائي من استغلال الطاقة النووية في إنتاج الكهرباء بحلول عام.2030 ومن هنا جاءت فرحة اليابانيين بالإعلان منذ أيام عن اكتشاف أول حقل بترول في تاريخ البلاد فقد توقعت الشركة التي تقوم بأعمال التنقيب أن يصل المخزون من البترول في منطقة ايوكاوا في محافظة اكيتا بشمال اليابان لنحو100 مليون برميل وهو ما يغطي نحو8% من احتياجات البلاد من الكهرباء سنويا وللعلم فقط فإن السعودية تنتج وحدها نحو10 ملايين برميل يوميا وهي أكبر مصدر للنفط في العالم بما يعني أن السعودية تنتج خلال10 أيام فقط كل ما تحلم به اليابان من مخزون احتياطي من الخام! وإذا كانت الأخبار قد حملت بشائر خير لليابان بوجود بترول في أراضيها, فإن الخبراء يحذرون من الاغراق في التفاؤل المبالغ فيه لأن الاكتشاف لايعني أن اليابان سوف تصبح منتجة للنفط غدا أو بعد غد, حيث إن الخام الذي تم اكتشافه موجود في أعماق بعيدة عن سطح الأرض, وواقع بين صخور صلدة وهو مكلف جدا في استخراجه ويحتاج إلي معدات متقدمة للغاية, وبالتالي فقد تكون محاولة إنتاجه أكثر كلفة من استيراده! فضلا عن المخاطر البيئية العالية التي قد تنتج عن استخراجه كما يقول العلماء. فهل ينطبق المثل الياباني الذي يقول تبدو الأحلام جميلة ولكنها لاتتحقق بالضرورة علي حلم اليابانيين في أن تصبح بلدهم منتجة للنفط ويتخلصون من هاجس الاعتماد غير المأمون وغير المضمون علي استيراد الطاقة من الخارج؟ [email protected]