حكاية يرويها أحدهم.. ودعوني أسميه مخلص!!.. يقول الأخ "مخلص" في حكايته: غريب أمر بعض القطاعات، الموظف المخلص فيها، والحريص على الأمانة، وإتقان العمل، وخدمة وطنه، يصبح شاذاً محارباً فيها، لا يُسمع له صوت، ولا يعطى فيها وزناً!!.. ثم يقول: وفي المقابل، تجد من الموظفين من لا يقيم للعمل وإتقانه وزناً ولا أمتاً.. متهلهل الأمانة.. يفتش بعمق عن مصلحته بين كل ما تقع عليه يده من معاملات.. ومع ذلك يجد التقدير والاحترام من قادة القطاع.. بل يُعطى التسهيلات والإمكانات كافة، حتى يمرر برامجه ومشاريعه التي قد تُخفي تحتها ما تخفي!!... ثم يردف "مخلص" قائلاً: وأنت أمام ذلك الموقف الذي يُعظَّمُ فيه مهلهل الأمانة، ويُهانُ فيه القوي الأمين، ويُضَيّقُ عليه.. ترى بأم عينيك كيف يتمتع ذلك المهلهل بحقوقه كافة كموظفٍ وزيادة!! فخارج الدوام حق مكتسب له لا جدال فيه.. يطير يمنة ويسرة في انتدابات لا حصر لها.. يحصل على دورات أينما شاء وكيفما اتفق.. معزز مكرم.. لا لشيء، سوى أنه يتمسّح للمسؤولين بمعسول الكلام الكاذب، ونفاق المديح والثناء على أعمالهم وإنجازاتهم "البالونية"، وربما لو أراد الحصول على دورة في (مسح الجوخ) بأمريكا لحصل عليها!! ويضيف صاحبنا "المخلص" حكايته قائلاً: المخلصون – وما أكثرهم في بلدي – محارَبون منبوذون في العديد من القطاعات؛ لأن ديدنهم قول الحق دون محاباة.. لا يجيدون خداع المسؤولين بمعسول الكلام وحلوه.. ولا يمتلكون القدرة على التزلف لهم.. ولا يطالبون بدورات (مسح الجوخ) ليطوروا مهاراتهم!! هؤلاء المخلصون المغمورون لا مطامع لهم في مال أو جاه أو سلطان من وراء المعاملات والبرامج والمشاريع؛ لأنهم ببساطة يؤمنون بمقولة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه "واللهِ لا يأخُذُ أحد منكم شيئًا بغيرِ حقِّه إلا لَقيَ اللهَ يحمِلُه يومَ القيامةِ". مطامعهم تنحصر في تأدية الأمانة التي أُوكلت إليهم.. وخدمة بلدهم.. وتنمية مجتمعاتهم. ثم عقَّب صاحبنا مخلص بقوله: في بعض القطاعات ليس بالضرورة أن تكون أميناً في عملك.. متقناً لمِهَنِيَّتك.. مخلصاً لوطنك.. فقط كن ماسحاً لجوخ المسؤولين. ثم ختم حديثه مستشهداً بقوله تعالى {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}، ثم قَالَ بكل قناعة وعمق إيمان {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إلى اللَّهِ}. أقول: هناك الكثير من نوعية "مخلص" الجاد المحترف في عمله في العديد من القطاعات، القادر على البذل والعطاء، إلا أنهم مغمورون.. مُحارَبون.. مُغيَّبون.. فابحثوا عنهم.. وأنصتوا إليهم وإلى مطالبهم بعمق.. اجعلوهم في قمة الهرم وصدارة القطاعات.. عندها لن تسمعوا عن شيء اسمه فساد.. إلا قليلاً!!