يدلف رئيس "الجمهورية" مكتبه متسللاً كلص ويغادره متسللاً.. وفي كل أحواله يبدو مبلبلاً مضطرباً وفزعاً من شيء ما.. مبنى الصحيفة الحصين والمنيع والذي تحول على يديه إلى ثكنة أمنية مؤخراً لم يفلح في إدخال الطمأنينة إلى نفس الرجل المذعور.. تضاءلت بوابته الواسعة لتصبح "شاقوصاً" صغيراً تتقاطع عند مدخله بيادات وبنادق رجال الأمن، ويُرابط شرطي على باب مكتب اليوسفي محزَّماً بأشرطة الذخائر وبندقية ذات فوهة فاغرة، لكن "الثعلبة" لا تزال تلتهم فروة رأس رئيس التحرير بمثابرة وشبق.. ليس سراً أن "اليوسفي" وفي واقعة إضراب محرري الصحيفة عن العمل عام 2007 طلبَ من ضابط الأمن السابق أن "يصفع أحد المضربين"، باعتبار أن ذلك هو واجبه كضابط، ولاحقاً طلبَ منه أن يستبدل أفراد الأمن بآخرين من "الزيود"- حسب تعبيره المريض– لأنهم برأيه "أكفأ في القمع والهنجمة".. فما الذي يجعله خائفاً إلى هذا الحد؟! ومم؟!.. هل هذا هو ذاته الشاب الإخواني الذي تعمَّد على يد عبدالمجيد الزنداني وابتعثه لفترة وجيزة مجاهداً إلى جبال أفغانستان نهاية ثمانينات القرن الفائت، ثم عاد فرشحه للدراسة في كلية الإعلام بجامعة الملك عبدالعزيز؟!.. كيف يمكن لمن استنشق غبار معسكرات التدريب في "بيشاور" أن يخاف عوضاً عن أن يخيف؟!.. أليس الزمن زمن الإخوان، وحري بعضو عتيق في تنظيمهم كاليوسفي أن يتكرَّش ثقة ويتجشأ اعتداداً؟!.. أليس هو أحد أولئك النفر الذين ركبوا "سفينة نوح الأحمر" حين "فار تنور التغيير"، فضمنوا مقعداً وثيراً على "جبل جودي المحاصصة"، وعبروا البحر مع "موسى الحاشدي" بتوقيت غرق "الفرعون"، فوقعوا على "موائد المن والسلوى"؟!.. تقول رواية- في تفسير ذعر اليوسفي المزمن- إن كابوساً يعاوده في منامه ويقظته يتراءى له خلاله بأنه محاطٌ بطوق من الشرفاء نظيفي اليد والضمير، وأنهم يطبقون قبضاتهم على حنجرته ويحاولون تجريعه "ترياق الشرف" وهو يصدهم بكل قوته، ومع أول قطرة تلامس شفاهه ينخرط في نوبة صراخ "هستيري" فيفلت من مخالب الكابوس ليجد نفسه وقد تقيأ على ملابسه محاطاً بحاشيته القديمة الجديدة التي لا تعصي له أمراً؛ وعندها فقط- يهدأ روعه- ويتأكد أنّ ما من شيء يستحق الفزع وأن الشرف والشرفاء مجرد كابوس!. في مقابلته الأخيرة على شاشة "سهيل الأحمر" قال إنه كان "على وشك النزول إلى ساحة الحرية" إثر استقالته لكنه اكتشف، أنه "ليس في الساحة شرفاء" خلافاً لما كان يعتقد!.. ربما كان محقاً في ذلك إلى حدٍّ ما، فعودته الظافرة إلى رئاسة مجلس الإدارة والتحرير عقب الاستقالة، وتعليق محاكمته على ذمة قضايا فساد في محكمة الأموال العامة، واصطفاف كوكبة كبيرة من الموظفين والمحررين "الثوار" من فئة "شجعان الزحمة" على حد وصف الزميل "فكري قاسم" حوله.. كل هذا الرتل من الوقائع "الدراماتيكية" يبرهن على أنه لا يزال لدى "اليوسفي ونظرائه" وَحْلٌ قيمي فسيح يمخرون عباب عفونته بالاتجاه المعاكس لرياح التغيير، شاهرين قرون الخوذات العتيقة والصالحة لكل زمان ومكان! إليكم مفارقة جديرة بلفت الانتباه والتمحيص: إن مقاس حزام بنطلون عبدربه هادي "الرئيس الحالي" ومقاس قدميه، هما تماماً مقاس حزام بنطلون "صالح- الرئيس السابق" ومقاس قدميه، لذا فإن دور التسليم جرى على الأحزِمة والجزمات والجوارب ذاتها، وعلى ذات الأبواق وماسحي الجوخ الذين كتب أحدهم يصف "علي صالح" ذات يوم غير بعيد بأنه "الرئيس الذي بشَّرت به النبوَّة".. لو قُدِّر لي- معاذ الله- أن أصبح رئيساً للبلاد فسأدشن ولايتي بنصب المشانق لجوقة الكتَّاب والصحفيين العاكفين على تلميع أحذية السلطة؛ لأنهم أعداؤها الحقيقيون!!. إن من النادر أن يكون حذاء الحاكم برَّاقاً دون أن يكون ضميره معتماً، إذ إن أحدهما يُعتم بلمعان الآخر والعكس؛ وقد اختار "عبدربه هادي"- بفرضية امتلاكه حق الاختيار- أن يعيش بضمير مطفأ؛ ف"سمير اليوسفي" لا يزال رئيساً للتحرير والأقلام التي تضخ "الورنيش" لا تزال تحتل مواقع أقلام الحبر، لكن باسم "الثورة" هذه المرة!. لا أحتاج لأن أسلك طريقاً طويلاً حتى أقرر بأنه لو جازت تسمية الواقفين حتى اللحظة في صف "صالح" ببقايا النظام، فإن اللابسين مسوح الثورة من مشايخ وعسكر ورجال دين وإخوانجيين هم النظام الذي لم يسقط بعد ويجب إسقاطه!. بين "أبي جهل وأبي سفيان" أختار "أبا جهل"؛ لأنه حقيقي وصادق في ضلاله بينما الآخر زائف الإيمان وكاذب التقوى.. بين "عبده الجندي وسمير اليوسفي" أنحاز ل"الجندي" لأنه وقف حيث يعجز الآخرون عن الوقوف لا لكونهم شرفاء بل لأنهم متلوِّنون وغير مخلصين لشيء، ولا شيء في حياتهم يستحق التضحية باطلاً كان أم حقاً!.. إنني أفضل الغرق مثقلاً بقناعاتي الباطلة وضلالي على أن أطفو خاوياً كالفِليِّن وأطير عالياً كقصاصة ورق بلا وزن.. إن القلة القادرة في هذا البلد والمستعدة لأن تدفع ضريبة الحياة بمبدأ وبذات زاخرة بالرفض والكبرياء، هي ما يتوجَّب على "سمير اليوسفي" ونظرائه، القضاءُ عليها ليشعروا بالاطمئنان.. وحتى ذلك الحين فإن قدرهم أن يعيشوا فريسة للكوابيس!. بلاغ إلى رئيس "الجمهورية" التوافقي يعيش موسى أحمد عبده الموظف في إدارة الصيانة بمؤسسة "الجمهورية" في مهب تهديدات سمير اليوسفي الذي فشل في انتزاع توقيع المذكور على مستندات يواري بها سوءته لجهة قضية المطبعة.. ويلجأ رئيس مجلس الإدارة في سبيل ذلك إلى استغلال منصبه والزج بالموظف في مجالس تأديب بحجج واهية، ودَفْعِ بعض حاشيته لافتعال شجار معه تمهيداً لإسقاط درجته الوظيفية.. وعلى عاتق فخامتكم تقع مسؤولية حماية مساحة الشرف الضئيلة الباقية في الجهاز الإداري للدولة إزاء تغوُّل فصيلة اليوسفي، ومسؤولية استمرار التحقيق في قضية المطبعة العالقة منذ عودة اليوسفي إلى رئاسة الجمهورية!.